ثم قال: إذا أنا مت فادع الناس إلى بيعتك فمن أبى فالسيف، وعليك بالاحسان إلى أخواتك فأكرمهن وأحبهن إلي فاطمة - وكان قد أعطاها قرطي مارية والدرة اليتيمة - ثم قال: اللهم احفظني فيها. فتزوجها عمر بن عبد العزيز وهو ابن عمها (1).
ولما احتضر سمع غسالا يغسل الثياب فقال: ما هذا؟ فقالوا غسال، فقال: يا ليتني كنت غسالا أكسب ما أعيش به يوما بيوم، ولم أل الخلافة. ثم تمثل فقال: - لعمري لقد عمرت في الملك برهة * ودانت لي الدنيا بوقع البواتر وأعطيت حمر المال والحكم والنهى * ولي سلمت كل الملوك الجبابر فأضحى الذي قد كان مما يسرني * كحلم مضى في المزمنات الغوابر فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة * ولم أسع في لذات عيش نواضر وقد أنشد هذه الأبيات معاوية بن أبي سفيان عند موته.
وقال أبو مسهر: قيل لعبد الملك في مرض موته: كيف تجدك؟ فقال أجدني كما قال الله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) الآية [الانعام: 94]. وقال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر عبد الملك أمر بفتح الأبواب من قصره، فلما فتحت سمع قصارا بالوادي فقال: ما هذا؟ قالوا قصار، فقال: يا ليتني كنت قصارا أعيش من عمل يدي، فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله قال: الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا ولا نفر إليهم. وقال: لما حضره الموت جعل يندم ويندب ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أني اكتسبت قوتي يوما بيوم واشتغلت بعبادة ربي عز وجل وطاعته. وقال غيره: لما حضرته الوفاة دعا بنيه فوصاهم ثم قال: الحمد لله الذي لا يسأل أحدا من خلقه صغيرا أو كبيرا ثم ينشد: - فهل من خالد إما هلكنا * وهل بالموت للباقين غار (2) ويروى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شم الهواء وقال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإنا كنا بك لفي غرور، ثم تمثل بهذين البيتين: