جماعة من الامراء - فضحك وخلى سبيله. وقيل لعبد الملك: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة، وترك النصرة عن قوة. وقال أيضا لا طمأنينة قبل الخبرة، فإن الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم. وقال: خير المال ما أفاد حمدا ودفع ذما، ولا يقولن أحدكم ابدا بمن تعول، فإن الخلق كلهم عيال الله، وينبغي أن يحمل هذا على غير ما ثبت به الحديث. وقال المدائني: قال عبد الملك لمؤدب أولاده - وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر -: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رغبة في الخير وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، واحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا، ويمصوا الماء مصا، ولا يعبوا عبا، وإذا احتجت أن تتناولهم فتناولهم بأدب فليكن ذلك في سر لا يعلم بهم أحد من الغاشية فيهونوا عليهم.
وقال الهيثم بن عدي: أذن عبد الملك للناس في الدخول عليه إذنا خاصا، فدخل شيخ رث الهيئة لم يأبه له الحرس، فألقى بين يدي عبد الملك صحيفة وخرج فلم يدر أين ذهب، وإذا فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الانسان إن الله قد جعلك بينه وبين عباده فاحكم بينهم (بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) [ص: 26] (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين) [المطففين: 4 - 6] (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) [هود: 104] (وما تؤخره إلا لأجل معدود) [هود: 105] إن اليوم الذي أنت فيه لو بقي لغيرك ما وصل إليك، (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) [النمل 52] وإني أحذرك يوم ينادي المنادي (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) [الصافات: 22] (ألا لعنة الله على الظالمين) [هود: 18] قال فتغير وجه عبد الملك فدخل دار حرمه ولم تزل الكآبة في وجهه بعد ذلك أياما.
وكتب زر بن حبيش إلى عبد الملك كتابا وفي آخره: ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول البقاء ما يظهر لك في صحتك فأنت أعلم بنفسك واذكر ما تكلم به الأولون:
إذا الرجال ولدت أولادها * وبليت من كبر أجسادها وجعلت أسقامها تعتادها * تلك زروع قد دنا حصادها فلما قرأه عبد الملك بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر، ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق. وسمع عبد الملك جماعة من أصحابه يذكرون سيرة عمر بن الخطاب فقال: أنهى عن ذكر عمر فإن مرارة للأمراء مفسدة للرعية. وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى القباني، عن أبيه عن جده قال: كان عبد الملك يجلس في حلقة أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق، فقالت له: بلغني أنك شربت الطلا بعد العبادة والنسك، فقال: إي والله، والدما أيضا قد شربتها. ثم جاءه غلام كان قد بعثه في حاجة فقال: ما حبسك لعنك الله؟ فقالت أم الدرداء: لا تفعل يا أمير المؤمنين فإني سمعت أبا