دار مروان وجاء الناس للسلام عليه، وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن [أبي] خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرج على من بلغه ذلك إلا أبلغني. فخرجوا من عنده يجزونه خيرا، وافترقوا على ذلك. وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بأن يوقف هشام بن إسماعيل للناس عند دار مروان - وكان يسئ الرأي فيه - لأنه أساء إلى أهل المدينة في مدة ولايته عليهم، وكانت نحوا من أربع سنين، ولا سيما إلى سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين. قال سعيد بن المسيب لابنه ومواليه: لا يعرض منكم أحد لهذا الرجل في، تركت ذلك لله وللرحم. وأما كلامه فلا أكلمه أبدا، وأما علي بن الحسين فإنه مر به وهو موقوف فلم يتعرض له وكان قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض أحد منهم له، فلما اجتاز به وتجاوزه ناداه هشام (الله يعلم حيث يجعل رسالاته) [الانعام: 124].
وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فقتل منهم خلقا كثيرا، وفتح حصونا كثيرة وغنم غنائم جمة، ويقال إن الذي غزا بلاد الروم في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق، وحصن الأخرم، وبحيرة الفرمسان، وحصن بولس، وقميقم، وقتل من المستعربة نحوا من ألف وسبى ذراريهم. وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلاد الترك وصالحه ملكهم نيزك على مال جزيل، وعلى أن يطلق كل من ببلاده من أسارى المسلمين، وفيها غزا قتيبة بيكند فاجتمع له من الأتراك عندها بشر كثير وجم غفير، وهي من أعمال بخارى، فلما نزل بأرضهم استنجدوا عليه بأهل الصغد ومن حولهم من الأتراك، فأتوهم في جمع عظيم فأخذوا على قتيبة الطرق والمضايق، فتواقف هو وهم قريبا من شهرين وهو لا يقدر أن يبعث إليهم رسولا ولا يأتيه منهم رسول، وأبطأ خبره على الحجاج حتى خاف عليه وأشفق على من معه من المسلمين من كثرة الأعداء من الترك، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد وكتب بذلك إلى الأمصار، وقد كان قتيبة ومن معه من المسلمين يقتتلون مع الترك في كل يوم، وكان لقتيبة عين من العجم يقال له تنذر (1)، فأعطاه أهل بخارى مالا جزيلا على أن يأتي قتيبة فيخذله عنهم، فجاء إليه فقال له: أخلني فأخلاه فلم يبق عنده سوى رجل يقال له ضرار بن حصين، فقال له تنذر: هذا عامل يقدم عليك سريعا بعزل الحجاج، فلو انصرفت بالناس إلى مرو، فقال قتيبة لمولاه سياه اضرب عنقه فقتله، ثم قال لضرار: لم يبق أحد سمع هذا غيري وغيرك