به فإن الله تعالى يقول (هل أنبئكم على ما تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) [الشعراء: 221 - 222] ولست بأفاك ولا أثيم، فامض لما أمرت به، وكان يجئ إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن هو يرى ما يرضى وإلا كتم عليه.
قال: وكان يريهم الأعاجيب. كان يأتي إلى رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح تسبيحا بليغا حتى يضج من ذلك الحاضرون. قلت: وقد سمعت شيخنا العلامة أبا العباس بن تيمية رحمه الله يقول: كان ينقر هذه الرخامة الحمراء التي في المقصورة فتسبح، وكان زنديقا. قال ابن أبي خيثمة في روايته وكان الحارث يطعمهم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وكان يقول لهم: اخرجوا أريكم الملائكة، فيخرج بهم إلى دير المران (1) فيريهم رجلا على خيل فيتبعه على ذلك بشر كثير، وفشا أمره في المسجد وكثر أصحابه وأتباعه، حتى وصل الامر إلى القاسم بن مخيمرة، قال فعرض على القاسم أمره وأخذ عليه العهد إن هو رضي أمرا قبله، وإن كرهه كتم عليه، قال فقال له: إني نبي، فقال القاسم: كذبت يا عدو الله، ما أنت نبي، وفي رواية ولكنك أحد الكذابين الدجالين الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه نبي) (2) وأنت أحدهم ولا عهد لك. ثم قام فخرج إلى أبي إدريس - وكان على القضاء بدمشق - فأعلمه بما سمع من الحارث فقال أبو إدريس نعرفه، ثم أعلم أبو إدريس عبد الملك بذلك، وفي رواية أخرى أن مكحولا وعبد الله بن زائدة دخلا على الحارث فدعاهما إلى نبوته فكذباه وردا عليه ما قال، ودخلا على عبد الملك فأعلماه بأمره، فتطلبه عبد الملك طلبا حثيثا، واختفى الحارث وصار إلى دار بيت المقدس يدعو إلى نفسه سرا واهتم عبد الملك بشأنه حتى ركب إلى النصرية (3) فنزلها فورد عليه هناك رجل من أهل النصرية ممن كان يدخل على الحارث وهو ببيت المقدس فأعلمه بأمره وأين هو، وسأل من عبد الملك أن يبعث معه بطائفة من الجند الأتراك ليحتاط عليه، فأرسل معه طائفة وكتب إلى نائب القدس ليكون في طاعة هذا الرجل ويفعل ما يأمره به، فلما وصل الرجل إلى النصرية ببيت المقدس بمن معه انتدب نائب القدس لخدمته، فأمره أن يجمع ما يقدر عليه من الشموع ويجعل مع كل رجل شمعته، فإذا أمرهم بإشعالها في الليل أشعلوها كلهم في سائر الطرق والأزقة حتى لا يخفى أمره، وذهب الرجل بنفسه فدخل الدار التي فيها الحارث فقال لبوابه استأذن على نبي الله، فقال: في هذه الساعة لا يؤذن عليه حتى يصبح، فصاح النصري