سبعمائة ألف (1)، ويفتحوا للمسلمين طريقا يخرجون عنه ويرجعون عنهم إلى بلادهم، فانتدب شريح بن هانئ - وكان صحابيا، وكان من أكبر أصحاب علي وهو المقدم على أهل الكوفة - فندب الناس إلى القتال والمصابرة والنزال والجلاد بالسيوف والرماح والنبال، فنهاه عبيد الله بن أبي بكرة فلم ينته، وأجابه شرذمة (2) من الناس من الشجعان وأهل الحفائظ، فما زال يقاتل بهم الترك حتى فني أكثر المسلمين رضي الله عنهم، قالوا وجعل شريح بن هانئ يرتجز، ويقول:
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا * قد عشت بين المشركين أعصرا ثم (3) أدركت النبي المنذرا * وبعده صديقه وعمرا ويوم مهران ويوم تسترا * والجمع في صفينهم والنهرا (4) هيهات من أطول هذا عمرا ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه، وقتل معه خلق (5) من أصحابه، ثم خرج من خرج من الناس صحبة عبيد الله بن أبي بكرة من أرض رتبيل، وهم قليل، وبلغ ذلك الحجاج فأخذ ما تقدم وما تأخر، وكتب إلى عبد الملك يعلمه بذلك ويستشيره في بعث جيش كثيف إلى بلاد رتبيل لينتقموا منه بسبب ما حل بالمسلمين في بلاده، فحين وصل البريد إلى عبد الملك كتب إلى الحجاج بالموافقة على ذلك، وأن يعجل ذلك سريعا، فحين وصل البريد إلى الحجاج بذلك أخذ في جمع الجيوش فجهز جيشا كثيفا لذلك على ما سيأتي تفصيله في السنة الآتية بعدها. وقيل إنه قتل من المسلمين مع شريح بن هانئ ثلاثون ألفا وابتيع الرغيف مع المسلمين بدينار وقاسوا شدائد، ومات بسبب الجوع منهم خلق كثير أيضا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد قتل المسلمون من الترك خلقا كثيرا أيضا قتلوا أضعافهم.
ويقال إنه في هذه السنة استعفى شريح من القضاء فأعفاه الحجاج من ذلك وولى مكانه أبا بردة ابن أبي موسى الأشعري، وقد تقدمت ترجمة شريح عند وفاته في السنة الماضية والله أعلم.