ثلاث فرق، واحدة معه، وأخرى مع سويد بن سليم، وأخرى مع المحلل (1) بن وائل. وأمر شبيب سويدا أن يحمل فحمل على جيش الحجاج فصبروا له حتى إذا دنا منهم وثبوا إليه وثبة واحدة فانهزم عنهم، فنادى الحجاج: يا أهل السمع والطاعة هكذا فافعلوا، ثم أمر الحجاج فقدم كرسيه الذي هو جالس عليه إلى الامام، ثم أمر شبيب المحلل أن يحمل فحمل فثبتوا له وقدم الحجاج كرسيه إلى أمام، ثم إن شبيبا حمل عليهم في كتيبته فثبتوا له حتى إذا غشى أطراف الأسنة وثبوا في وجهه فقاتلهم طويلا، ثم إن أهل الشام طاعنوه حتى ألحقوه بأصحابه، فلما رأى صبرهم نادى: يا سويد احمل في خيلك على أهل هذه السرية لعلك تزيل أهلها عنها فأت الحجاج من ورائه، ونحمل نحن عليه من أمامه. فحمل فلم يفد ذلك شيئا، وذلك أن الحجاج كان قد جعل عروة بن المغيرة بن شعبة في ثلاثمائة فارس ردا له من ورائه لئلا يؤتوا من خلفهم، وكان الحجاج بصيرا بالحرب أيضا، فعند ذلك حرض شبيب أصحابه على الحملة وأمرهم بها ففهم ذلك الحجاج، فقال: يا أهل السمع والطاعة اصبروا لهذه الشدة الواحدة، ثم ورب السماء والأرض ما شئ دون الفتح، فجثوا على الركب وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه، فلما غشيهم نادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه، فما زالوا يطعنون ويطعنون وهم مستظهرون على شبيب وأصحابه حتى ردوهم عن مواقفهم إلى ما ورائها، فنادى شبيب في أصحابه يا أولياء الله الأرض الأرض، ثم نزل ونزلوا ونادى الحجاج يا أهل الشام يا أهل السمع والطاعة، هذا أول النصر والذي نفسي بيده، وصعد مسجدا هنالك وجعل ينظر إلى الفريقين، ومع شبيب نحو عشرين رجلا معهم النبل، واقتتل الناس قتالا شديدا عامة النهار من أشد قتال في الأرض، حتى أقر كل واحد منهم لصاحبه، والحجاج ينظر إلى الفريقين من مكانه، ثم إن خالد بن عتاب استأذن الحجاج في أن يركب في جماعة فيأتي الخوارج من خلفهم، فأذن له، فانطلق في جماعة معه نحو من أربعة آلاف، فدخل عسكر الخوارج من ورائهم فقتل مصادا أخا شبيب، وغزالة امرأة شبيب، قتلها رجل يقال له فروة بن دقاق الكلبي (2)، وخرق في جيش شبيب، ففرح بذلك الحجاج وأصحابه وكبروا، وانصرف شبيب وأصحابه كل منهم على فرس، فأمر الحجاج أن ينطلقوا في طلبهم، فشدوا عليهم فهزموهم، وتخلف شبيب في حامية الناس، ثم انطلق واتبعه الطلب فجعل ينعس وهو على فرسه حتى يخفق برأسه، ودنا منه الطلب فجعل بعض أصحابه ينهاه عن النعاس في هذه الساعة فجعل لا يكترث بهم ويعود فيخفق رأسه، فلما طال ذلك بعث الحجاج إلى أصحابه يقول دعوه في حرق النار، فتركوه ورجعوا.
ثم دخل الحجاج الكوفة فخطب الناس فقال في خطبته. إن شبيبا لم يهزم قبلها، ثم قصد شبيب الكوفة فخرجت إليه سرية من جيش الحجاج فالتقوا يوم الأربعاء فلا زالوا يتقاتلون إلى يوم