فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بذلك صالحا ويتوب، والله لا يدخل علي أبدا، فهل بالباب أحد سوى ذلك؟ قلت: جرير، قال أما إنه الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا * حين الزيارة فارجعي بسلام فإن كان لا بد فأذن لجرير، فأذن له فدخل على عمر وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمدا * جعل الخلافة للامام العادل وسع الخلائق عدله ووفاؤه * حتى ارعوى وأقام ميل المائل إني لأرجو منك خيرا عاجلا * والنفس مولعة بحب العاجل فقال له: ويحك يا جرير، اتق الله فيما تقول، ثم إن جريرا استأذن عمر في الانشاد فلم يأذن له ولم ينهه، فأنشده قصيدة طويلة يمدحه بها، فقال له: ويحك يا جرير لا أرى لك فيما ههنا حقا، فقال: إني مسكين وابن سبيل، قال: إنا ولينا هذا الامر ونحن لا نملك إلا ثلاثمائة درهم، أخذت أم عبد الله مائة وابنها مائة وقد بقيت مائة، فأمر له بها، فخرج على الشعراء فقالوا: ما وراءك يا جرير؟ فقال: ما يسؤوكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض، ثم أنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه * وقد كان شيطاني من الجن راقيا وقال بعضهم فيما حكاه المعافى بن زكريا الجريري قالت جارية للحجاج بن يوسف: إنك تدخل هذا علينا، فقال: إنه ما علمت عفيفا، فقالت: أما إنك لو أخليتني وإياه سترى ما يصنع، فأمر باخلائها مع جرير في مكان يراهما الحجاج ولا يريانه، ولا يشعر جرير بشئ من ذلك، فقالت له: يا جرير، فأطرق رأسه، وقال، هأنذا، فقالت: أنشدني من قولك كذا وكذا - لشعر فيه رقة - فقال: لست أحفظه ولكن أحفظ كذا وكذا - ويعرض عن ذاك وينشدها شعرا في مدح الحجاج - فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد كذا وكذا - فيعرض عن ذاك وينشدها في الحجاج - حتى انقضى المجلس فقال الحجاج: لله درك، أبيت إلا كرما وتكرما. وقال عكرمة أنشدت أعرابيا بيتا لجرير الخطفي:
أبدل الليل لا تجري كواكبه * أو طال حتى حسبت النجم حيرانا فقال الأعرابي: إن هذا حسن في معناه وأعوذ بالله من مثله، ولكني أنشدك في ضده من قولي:
وليل لم يقصره رقاد * وقصره لنا وصل الحبيب نعيم الحب أورق فيه * حتى تناولنا جناه من قريب