وفيها كانت وقعة بين الخوارج، وهم أصحاب بسطام الخارجي، وبين جند الكوفة، وكانت الخوارج جماعة قليلة، وكان جيش الكوفة نحوا من عشرة آلاف فارس، وكادت الخوارج أن تكسرهم، فتذامروا بينهم فطحنوا الخوارج طحنا عظيما، وقتلوهم عن آخرهم، فلم يبقوا منهم ثائرة. وفيها خرج يزيد بن المهلب فخلع يزيد بن عبد الملك واستحوذ على البصرة، وذلك بعد محاصرة طويلة، وقتال طويل، فلما ظهر عليها بسط العدل في أهلها، وبذل الأموال، وحبس عاملها عدي بن أرطاة، لأنه كان قد حبس آل المهلب الذين كانوا بالبصرة (1)، حين هرب يزيد بن المهلب من محبس عمر بن عبد العزيز، كما ذكرنا، ولما ظهر على قصر الامارة أتي بعدي بن أرطاة فدخل عليه وهو يضحك، فقال يزيد بن المهلب: إني لأعجب من ضحكك، لأنك هربت من القتال كما تهرب النساء، إنك جئتني وأنت تتل كما يتل العبد. فقال عدي: إني لأضحك لان بقائي بقاء لك وأن من ورائي طالبا لا يتركني، قال: ومن هو؟ قال: جنود بني أمية بالشام، ولا يتركونك، فدارك نفسك (2) قبل أن يرمي إليك البحر بأمواجه، فتطلب الإقالة فلا تقال (3). فرد عليه يزيد جواب ما قال، ثم سجنه كما سجن أهله، واستقر أمر يزيد بن المهلب على البصرة، وبعث نوابه في النواحي والجهات، واستناب في الأهواز، وأرسل أخاه مدرك بن المهلب على نيابة خراسان، ومعه جماعة من المقاتلة، فلما بلغ خبره الخليفة يزيد بن عبد الملك جهز ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في أربعة آلاف (4)، مقدمة بين يدي عمه مسلمة بن عبد الملك، وهو في جنود الشام، قاصدين البصرة لقتاله، ولما بلغ يزيد بن المهلب مخرج الجيوش إليه خرج من البصرة واستناب عليها أخاه مروان بن المهلب، وجاء حتى نزل واسط، واستشار من معه من الامراء فيما ذا يعتمده؟ فاختلفوا عليه في الرأي، فأشار عليه بعضهم بأن يسير إلى الأهواز ليتحصن في رؤوس الجبال، فقال: إنما تريدون أن تجعلوني طائرا في رأس جبل؟ وأشار عليه رجل أهل العراق أن يسير إلى الجزيرة فينزلها بأحصن حصن فيها، ويجتمع عليه أهل الجزيرة فيقاتل بهم أهل الشام، وانسلخت هذه السنة وهو نازل بواسط وجيش الشام قاصده.
وحج بالناس في هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس أمير المدينة، وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن