ولأعصبنكم عصب السلمة، (1) ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل (2)، إني والله لا أعد إلا وفيت، ولا أخلق إلا فريت (3)، فإياي وهذه الجماعات وقيلا وقالا، والله لتستقيمن على سبيل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلا في جسده. ثم قال: من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب - يعني الذين كانوا قد رجعوا عنه لما سمعوا بموت بشر بن مروان كما تقدم - سفكت دمه وانتهبت ماله، ثم نزل فدخل منزله ولم يزد على ذلك، ويقال إنه لما صعد المنبر واجتمع الناس تحته أطال السكوت حتى أن محمد بن عمير أخذ كفا من حصى وأراد أن يحصبه بها، وقال: قبحه الله ما أعياه وأذمه! فلما نهض الحجاج وتكلم بما تكلم به جعل الحصى يتناثر من يده وهو لا يشعر به، لما يرى من فصاحته وبلاغته. ويقال إنه قال في خطبته هذه (4): شاهت الوجوه إن الله ضرب (مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) [النحل: 112] وأنتم أولئك فاستووا واستقيموا، فوالله لأذيقنكم الهوان حتى تذروا، ولأعصبنكم عصب السلمة حتى تنقادوا، وأقسم بالله لتقبلن على الانصاف ولتدعن الارجاف وكان وكان، وأخبرني فلان عن فلان، وإيش الخبر وما الخبر، أو لأهبرنكم بالسيف هبرا يدع النساء أيامى والأولاد يتامى، حتى تمشوا السمهى (5) وتقلعوا عن هاوها. في كلام طويل بليغ غريب يشتمل على وعيد شديد ليس فيه وعد بخير.
فلما كان في اليوم الثالث سمع تكبيرا في السوق فخرج حتى جلس على المنبر فقال: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوي الأخلاق، إني سمعت تكبيرا في الأسواق ليس بالتكبير الذي يراد به الترغيب، ولكنه تكبير يراد به الترهيب. وقد عصفت عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الإماء والأيامى، ألا يربع كل رجل منكم على ظلمه، ويحسن حقن دمه، ويبصر موضع قدمه، فأقسم بالله لا وشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها وأدبا لما بعدها. قال فقام إليه عمير بن ضابئ التميمي ثم الحنظلي فقال: أصلح الله الأمير إنا في هذا البعث