واجتمع الناس عنده لذلك، فكان فيهم الفرزدق الشاعر، فقال: أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله. قال الوليد: وما هو ويحك؟ فقال: قال الله تعالى (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) [الأنبياء: 79] وسليمان هو ابن داود، ففهمه الله ما لم يفهمه أبوه. فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جوابا إلى ملك الروم. وقد قال الفرزدق في ذلك: - فرقت بين النصارى في كنائسهم * والعابدين مع الأسحار والعتم وهم جميعا إذا صلوا وأوجههم * شتى إذا سجدوا لله والصنم وكيف يجتمع الناقوس يضربه * أهل الصليب مع القراء لم تنم فهمت تحويلها عنهم كما فهما * إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم داود والملك المهدي إذ جزءا * ولادها واجتزاز الصوف بالجلم فهمك الله تحويلا لبيعتهم * عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم ما من أب حملته الأرض نعلمه * خير بنين ولا خير من الحكم قال الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي: بنى الوليد ما كان داخل حيطان المسجد وزاد في سمك الحيطان. وقال الحسن بن يحيى الخشني: إن هودا عليه السلام هو الذي بنى الحائط القبلي من مسجد دمشق. وقال غيره: لما أراد الوليد بناء القبة التي وسط الرواقات - وهي قبة النسر وهو اسم حادث لها، وكأنهم شبهوها بالنسر في شكله، لان الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها - حفر لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منه ماء عذبا زلالا، ثم إنهم وضعوا فيه زيادة الكرم، وبنوا فوقها بالحجارة، فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت، فقال الوليد لبعض المهندسين: أريد أن تبني لي أنت هذه القبة، فقال: على أن تعطيني عهد الله وميثاقه على أن لا يبنيها أحد غيري، ففعل. فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري، وغاب عنها سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب، فلما كان بعد السنة حضر، فهم به الوليد فأخذه ومعه رؤوس الناس، فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض، فقال له: من هذا أتيت، ثم بناها فانعقدت.
وقال بعضهم: أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن هذا البناء، فقال له المعمار: إنك لا تقدر على ذلك، فضربه خمسين سوطا، وقال له: ويلك! أنا لا أقدر على ذلك وتزعم أني أعجز عنه؟ وخراج الأرض وأموالها تجبي إلي؟ قال: نعم أنا أبين لك ذلك، قال: فبين ذلك، قال: اضرب لبنة واحدة من الذهب وقس عليها ما تريد هذه القبة من ذلك، فأمر الوليد فأحضر من الذهب ما ضرب منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب، فقال: يا أمير المؤمنين إنا نريد مثل هذه اللبنة كذا وكذا ألف لبنة، فإن كان عندك ما يكفي من ذلك عملناه، فلما تحقق صحة قوله أطلق له الوليد خمسين دينارا، وقال إني لا أعجز عما قلت، ولكن فيه