وإن امرءا يسعى لدنياه دائبا * ويذهل عن أخراه لا شك خاسر فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يراد بك ساه وبلذة يومك وغدك لاه، وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصيبات:
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر أبعد اقتراب الأربعين تربص * وشيب قذال منذر للكابر كأنك معنى بما هو ضائر * لنفسك عمدا وعن الرشد حائر انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية كيف اختطفتهم عقبان الأيام، ووافاهم الحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم، وأضحوا رمما في التراب، إلى يوم الحشر والمآب:
أمسحوا رميما في التراب وعطلت * مجالسهم منهم وأخلى مقاصر وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأنى لسكان القبور التزاور فما أن ترى الا قبورا قد ثووا بها * مسطحة تسفى عليها الأعاصر كم من ذي منعة وسلطان وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الأموال والذخائر، وملح السراري والحرائر.
فما صرفت كف المنية إذا أتت * مبادرة تهوي إليه الذخائر ولا دفعت عنه الحصون التي بنى * وحف بها أنهاره والدساكر ولا قارعت عنه المنية حيلة * ولا طمعت في الذب عنه العساكر أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين، الذي ذل لعزه كل سلطان، وأباد بقوته كل ديان.
مليك عزيز لا يرد قضاؤه * حكيم عليم نافذ الامر قاهر عنى كل عز لعزة وجهه * فكم من عزيز للمهيمن صاغر لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر فالبدار البدار والحذار الحذار من الدنيا ومكايدها، وما نصبت لك من مصايدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها، وأبرزت لك من شهواتها، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها: