منها، ثم كان يعتمر في كل سنة ويحج، ثم إنه لجأ إلى مكة فأقام بها إلى أن وليها خالد بن عبد الله القسري، فأشار من أشار على سعيد بالهرب منها فقال سعيد: والله لقد استحييت من الله مما أفر ولا مفر من قدره؟ وتولى على المدينة عثمان بن حيان بدل عمر بن عبد العزيز، فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب ابن الأشعث من العراق إلى الحجاج في القيود، فتعلم منه خالد بن الوليد القسري فعين من عنده من مكة سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبير، وعمرو بن دينار، وطلق ابن حبيب (1). ويقال إن الحجاج أرسل إلى الوليد يخبره أن بمكة أقواما من أهل الشقاق، فبعث خالد بهؤلاء إليه ثم عفا عن عطاء وعمرو بن دينار لأنهما من أهل مكة، وبعث بأولئك الثلاثة، فأما طلق فمات في الطريق قبل أن يصل، وأما مجاهد فحبس فما زال في السجن حتى مات الحجاج، وأما سعيد بن جبير فلما أوقف بين يدي الحجاج قال له: يا سعيد ألم أشركك في أمانتي! ألم أستعملك؟ ألم أفعل ألم أفعل؟ كل ذلك يقول: نعم، حتى ظن من عنده أنه سيخلي سبيله، حتى قال له: فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين؟ فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم علي، فغضب عند ذلك الحجاج غضبا شديدا وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه، وقال له: ويحك ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: بلى، قال: ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة فأخذت بيعتك له ثانية؟ قال: بلى! قال فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ يا حرسي اضرب عنقه. قال: فضربت عنقه فبدر رأسه عليه لاطئة صغيرة بيضاء، وقد ذكر الواقدي نحو هذا، وقال له: أما أعطيتك مائة ألف؟ أما فعلت أما فعلت.
قال ابن جرير: فحدثت عن أبي غسان مالك بن إسماعيل قال: سمعت خلف بن خليفة يذكر عن رجل قال: لما قتل الحجاج سعيد بن جبير فندر رأسه هلل ثلاثا، مرة يفصح بها، وفي الثنتين يقول مثل ذلك لا يفصح بها. وذكر أبو بكرة الباهلي قال: سمعت أنس بن أبي شيخ يقول: لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: لعن ابن النصرانية - يعني خالد القسري وكان هو الذي أرسل به من مكة - أما كنت أعرف مكانه، بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة، ثم أقبل عليه فقال: يا سعيد ما أخرجك علي؟ فقال: أصلح الله الأمير، أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب أخرى، فطابت نفس الحجاج وانطلق وجهه، ورجا الحجاج أن يتخلص من أمره، ثم عاوده في شئ فقال سعيد، إنما كانت بيعة في عنقي، فغضب عند ذلك الحجاج فكان ما كان من قتله. وذكر عتاب بن