ووجه شبيبا في الباقي إلى الحارث بن جعونة، فاقتتل الناس قتالا شديدا إلى الليل، فلما كان المساء انكشف كل من الفريقين عن الآخر، وقد قتل من الخوارج نحو السبعين وقتل من أصحاب ابن مروان نحو الثلاثين، وهربت الخوارج في الليل فخرجوا من الجزيرة وأخذوا في أرض الموصل ومضوا حتى قطعوا الدسكرة، فبعث إليهم الحجاج ثلاثة آلاف مع الحارث بن عميرة، فسار نحوهم حتى لحقهم بأرض الموصل (1) وليس مع صالح سوى تسعين رجلا، فالتقى معهم وقد جعل صالح أصحابه ثلاثة كراديس، فهو في كردوس، وشبيب عن يمينه في كردوس، وسويد بن سليمان عن يساره في كردوس، وحمل عليهم الحارث بن عميرة، وعلى ميمنته أبو الرواع الشاكري، وعلى ميسرته الزبير بن الا روح التميمي، فصبرت الخوارج على قلتهم صبرا شديدا، ثم انكشف سويد بن سليمان (2)، ثم قتل صالح بن مسرح أميرهم، وصرع شبيب عن فرسه فالتف عليه بقية الخوارج حتى احتملوه فدخلوا به حصنا هنالك، وقد بقي معهم سبعون رجلا، فأحاط بهم الحارث بن عميرة وأمر أصحابه أن يحرقوا الباب ففعلوا، ورجع الناس إلى معسكرهم ينتظرون حريق الباب فيأخذون الخوارج قهرا، فما رجع الناس واطمأنوا خرجت عليهم الخوارج على الصعب والذلول من الباب فبيتوا جيش الحارث بن عميرة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهرب الناس سراعا إلى المدائن، واحتاز شبيب وأصحابه ما في معسكرهم، وكان جيش الحارث بن عميرة أول جيش هزمه شبيب، وكان مقتل صالح بن مسرح في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة (3) من هذه السنة.
وفيها دخل شبيب الكوفة ومعه زوجته غزالة، وذلك أن شبيبا جرت له فصول يطول تفصيلها بعد مقتل صالح بن مسرح، واجتمعت عليه الخوارج وبايعوه، وبعث إليه الحجاج جيشا آخر فقاتلوه فهزموه ثم هزمهم بعد ذلك، ثم سار فجاز المدائن فلم ينل منهم شيئا، فسار فأخذ دوابا للحجاج من كلوذا، وفي عزمه أن يبيت أهل المدائن فهرب من فيها من الجند إلى الكوفة، فلما وصل فلهم إلى الحجاج جهز جيشا أربعة آلاف مقاتل إلى شبيب، فمروا على المدائن ثم ساروا في طلب شبيب فجعل يسير بين أيديهم قليلا قليلا وهو يريهم أنه خائف منهم، ثم يكر في كل وقت على المقدمة فيكسرها وينهب ما فيها، ولا يواجه أحدا إلا هزمه، والحجاج يلح في طلبه ويجهز إليه السرايا والبعوث والمدد وشبيب لا يبالي بأحد وإن ما معه وستون فارسا، وهذا من أعجب العجب، ثم