فلا الجود يفني المال قبل فنائه * ولا البخل في مال الشحيح يزيد فلا تلتمس مالا بعيش مقتر * لكل غد رزق يعود جديد ألم تر أن المال غاد ورائح * وان الذي يعطيك غير بعيد (1) قال القاضي أبو الفرج ولقد أحسن في قوله: " وان الذي يعطيك غير بعيد ". ولو كان مسلما لرجي له الخير في معاده وقد قال الله في كتابه: (واسألوا الله من فضله) [النساء: 32].
وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني) [البقرة: 186].
وعن الوضاح بن معبد الطائي قال: وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه ثم زوده عند انصرافه جملين ذهبا وورقا غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طئ. فقالت: يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر! فقال حاتم: هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه. فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه.
فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته، فقالت له: اتق الله وابق على نفسك، فما يدع هؤلاء دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا. فأنشأ يقول:
قالت طريفة ما تبقى دراهمنا * وما بنا سرف فيها ولا خرق إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا * ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق ما يألف الدرهم الكاري خرقتنا * إلا يمر عليها ثم ينطلق إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا * ظلت إلى سبل المعروف تستبق وقال أبو بكر بن عياش: قيل لحاتم هل في العرب أجود منك. فقال: كل العرب أجود مني. ثم أنشأ يحدث. قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي شاة منها وأتاني بها، فلما قرب إلي دماغها قلت: ما أطيب هذا الدماغ! قال:
فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شئ له؟ فقيل فما صنعت به فقال: ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شئ. قال: على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي.
وقال محمد بن جعفر الخرائطي في كتاب " مكارم الأخلاق " حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني حماد الراوية ومشيخة من مشيخة طئ. قالوا:
كانت عنترة (2) بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم طئ لا تمسك شيئا سخاء وجودا;