فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون) [النحل: 112 - 113] قيل هذا مثل مضروب لأهل مكة وقيل هم أهل مكة أنفسهم ضربهم مثلا لأنفسهم ولا ينافي ذلك والله أعلم اه.
قصة أصحاب أيلة الذين اعتدوا في سبتهم قال الله تعالى في سورة الأعراف: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون. وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون. فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) [الأعراف: 163 - 166] وقال تعالى في سورة البقرة: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين. فجعلنا نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) [البقرة: 65 - 66] وقال تعالى في سورة النساء: (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) [النساء: 47]. قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم هم أهل أيلة. زاد ابن عباس بين مدين والطور. قالوا وكانوا متمسكين بدين التوراة في تحريم السبت في ذلك الزمان، فكانت الحيتان قد ألفت منهم السكينة في مثل هذا اليوم، وذلك أنه كان يحرم عليهم الاصطياد فيه وكذلك جميع الصنائع، والتجارات، والمكاسب، فكانت الحيتان في مثل يوم السبت يكثر غشيانها لمحلتهم من البحر، فتأتي من ههنا وههنا ظاهرة آمنة مسترسلة، فلا يهيجونها ولا يذعرونها (ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) وذلك لأنهم كانوا يصطادونها فيما عدا السبت قال الله تعالى: (كذلك نبلوهم) أي نختبرهم بكثرة الحيتان في يوم السبت (بما كانوا يفسقون) أي بسبب فسقهم المتقدم فلما رأوا ذلك احتالوا على اصطيادها في يوم السبت بأن نصبوا الحبال والشباك والشصوص وحفروا الحفر التي يجري معها الماء إلى مصانع قد أعدوها إذا دخلها السمك لا يستطيع أن يخرج منها ففعلوا ذلك في يوم الجمعة، فإذا جاءت الحيتان مسترسلة يوم السبت علقت بهذه المصايد، فإذا خرج سبتهم أخذوها فغضب الله عليهم ولعنهم لما احتالوا على خلاف أمره، وانتهكوا محارمه بالحيل التي هي ظاهرة للناظر، وهي في الباطن مخالفة محضة فلما فعل ذلك طائفة منهم افترق الذين لم يفعلوا فرقتين. فرقة أنكروا عليهم صنيعهم هذا واحتيالهم على مخالفة الله وشرعه في ذلك الزمان. وفرقة أخرى لم يفعلوا ولم ينهوا بل أنكروا على الذين نهوا وقالوا: (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) يقولون ما الفائدة في نهيكم هؤلاء وقد استحقوا العقوبة لا محالة فأجابتهم الطائفة المنكرة بأن قالوا: (معذرة إلى ربكم) أي فيما أمرنا به من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فنقوم به خوفا من عذابه (ولعلهم يتقون) أي لعل هؤلاء يتركون ما هم عليه من هذا الصنيع فيقيهم الله عذابه ويعفو عنهم إذا هم رجعوا