قال ابن إسحاق: فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن ردا عليهم فيما ابتدعوه فقال [تعالى]: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أي جمهور العرب من عرفات (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) (1) وقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف بعرفات قبل أن ينزل عليه توفيقا من الله له، وأنزل الله عليه ردا عليهم فيما كانوا حرموا من اللباس والطعام على الناس (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (2) الآية. وقال زياد البكائي (3) عن ابن إسحاق: ولا أدري أكان ابتداعهم لذلك قبل الفيل أو بعده (4).
مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. وذكر شئ من البشارات بذلك قال محمد بن إسحاق رحمه الله: وكانت الأحبار من اليهود والكهان من النصارى ومن العرب (5) قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب زمانه، أما الأحبار من اليهود والرهبان.
من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه.
قال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) [الأعراف: 157] الآية وقال الله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [الصف: 6]. وقال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) [الفتح: 29] الآية. وقال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟ قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) [آل عمران: 81] وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: " ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث