الله ليلا ونهارا، صباحا ومساء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين، فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم. لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) [الحديد: 28 - 29].
فصل وأخبار بني إسرائيل كثيرة جدا في الكتاب والسنة النبوية، ولو ذهبنا نتقصى ذلك لطال الكتاب ولكن ذكرنا ما ذكره الإمام أبو عبد الله البخاري في هذا الكتاب ففيه مقنع وكفاية وهو تذكرة وأنموذج لهذا الباب والله أعلم. وأما الاخبار الإسرائيلية فيما يذكره كثير من المفسرين والمؤرخين فكثيرة جدا ومنها ما هو صحيح موافق لما وقع، وكثير منها بل أكثرها مما يذكره القصاص مكذوب مفترى وضعه زنادقتهم وضلالهم وهي ثلاثة أقسام: منها ما هو صحيح لموافقته ما قصه الله في كتابه أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ما هو معلوم البطلان لمخالفته كتاب الله وسنة رسوله، ومنها ما يحتمل الصدق والكذب فهذا الذي أمرنا بالتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه كما ثبت في الصحيح: " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم " (1). وتجوز روايته مع هذا الحديث المتقدم: " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " (2).
تحريف أهل الكتاب وتبديلهم أديانهم أما اليهود فقد أنزل الله عليهم التوراة على يدي موسى بن عمران عليه السلام وكانت كما قال الله تعالى: (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ) [الانعام: 154] وقال تعالى: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) [الانعام: 91] وقال تعالى: (ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرى للمتقين) [الأنبياء: 48] وقال تعالى: (وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم) [الصافات: 117 - 118] وقال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44] فكانوا يحكمون بها وهم متمسكون بها