وكان اخوتها يمنعونها فتأبى وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع. ثم أخرجوها بعد سنة وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق فدفعوا إليها صرمة (1) من مالها وقالوا استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت: دونك هذه الصرمة فقد والله مسني من الجوع ما آليت أن لا أمنع سائلا ثم أنشأت تقول:
لعمري لقدما عضني الجوع عضة * فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني * وإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم * سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا وماذا ترون اليوم إلا طبيعة * فكيف بتركي يا بن أمي الطبائعا (2) وقال الهيثم بن عدي عن ملحان بن عركي بن عدي بن حاتم عن أبيه عن جده. قال:
شهدت حاتما يكيد (3) بنفسه، فقال لي: أي بني إني أعهد من نفسي ثلاث خصال والله ما خاتلت جارة لريبة قط، ولا أوتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أوتي أحد من قبلي بسوء. وقال أبو بكر الخرائطي: حدثنا علي بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى العدوي، حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مسكين - يعني جعفر بن المحرر بن الوليد - عن المحرر (4) مولى أبي هريرة قال: مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيئ فنزلوا قريبا منه فقام إليه بعضهم يقال له أبو الخيبري فجعل يركض قبره برجله. ويقول: يا أبا جعد أقرنا. فقال له بعض أصحابه: ما تخاطب من رمة (5) وقد بليت؟ وأجنهم الليل فناموا، فقام صاحب القول فزعا يقول: يا قوم عليكم بمطيكم فإن حاتما أتاني في النوم وأنشدني شعرا وقد حفظته يقول (6):
أبا الخيبري وأنت امرؤ * ظلوم العشيرة شتامها أتيت بصحبك تبغي القرى * لدى حفرة قد صدت هامها أتبغي لي الذنب عند المبيت * وحولك طئ وأنعامها