فحدثني عنه قال لا تسألني ما أحب أن يدعى هذا الامر أبدا، وما أحب أن أعيبه وغيره خير منه، فرأى اليهودي أنه لا يغمس عليه ولا يحب أن يعيبه. فقال اليهودي ليس به بأس على اليهود، وتوراة موسى. قال العباس فناداني الحبر، فجئت فخرجت حتى جلست ذلك المجلس من الغد، وفيه أبو سفيان بن حرب والحبر، فقلت للحبر بلغني أنك سألت ابن عمي عن رجل منا زعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرك أنه عمه، وليس بعمه. ولكن ابن عمه وأنا عمه وأخو أبيه. قال أخو أبيه؟ قلت أخو أبيه، فأقبل على أبي سفيان فقال صدق؟ قال نعم صدق، فقلت: سلني فإن كذبت فليرد علي، فأقبل علي فقال نشدتك هل كان لابن أخيك صبوة أو سفهة؟ قلت لا وإله عبد المطلب ولا كذب ولا خان، وإنه كان اسمه عند قريش الأمين. قال فهل كتب بيده؟ قال العباس فظننت أنه خير له أن يكتب بيده فأردت أن أقولها ثم ذكرت مكان أبي سفيان يكذبني ويرد علي فقلت لا يكتب فوثب الحبر ونزل رداؤه وقال ذبحت يهود، وقتلت يهود. قال العباس فلما رجعنا إلى منزلنا، قال أبو سفيان يا أبا الفضل إن اليهود تفزع من ابن أخيك، قلت قد رأيت ما رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقا كنت قد سبقت وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك؟ قال لا أؤمن به حتى أرى الخيل في كداء (1)، قلت ما تقول؟ قال كلمة جاءت على فمي إلا أني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كداء. قال العباس فلما استفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل وقد طلعت من كداء، قلت يا أبا سفيان تذكر الكلمة؟
قال: إي والله إني لذاكرها فالحمد لله الذي هداني للاسلام. وهذا سياق حسن عليه البهاء والنور وضياء الصدق وان كان في رجاله من هو متكلم فيه والله أعلم.
وقد تقدم ما ذكرناه في قصة أبي سفيان مع أمية بن أبي الصلت، وهو شبيه بهذا الباب وهو من أغرب الاخبار وأحسن السياقات وعليه النور. وسيأتي أيضا قصة أبي سفيان مع هرقل ملك الروم حين سأله عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله، واستدلاله بذلك على صدقه ونبوته ورسالته. وقال له: كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظن أنه فيكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقيه. ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. ولئن كان ما تقول حقا ليملكن موضع قدمي هاتين. وكذلك وقع ولله الحمد والمنة.
وقد أكثر الحافظ أبو نعيم من إيراد الآثار والاخبار عن الرهبان والأحبار العرب. فأكثر وأطنب وأحسن وأطيب رحمه الله ورضي عنه.
قصة عمرو بن مرة الجهني قال الطبراني: حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي الأهوازي حدثنا عبد الله بن داود بن دلهاث