تقدم أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام هو وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبيد الله بن جحش فتنصروا إلا زيدا فإنه لم يدخل في شئ من الأديان بل بقي على فطرته من عبادة الله وحده لا شريك له متبعا ما أمكنه من دين إبراهيم على ما ذكرناه. وأما ورقة بن نوفل فسيأتي خبره في أول المبعث. وأما عثمان بن الحويرث فأقام بالشام حتى مات فيها عند قيصر. وله خبر عجيب ذكره الأموي ومختصره أنه لما قدم على قيصر فشكى إليه ما لقي من قومه كتب له إلى ابن جفنة ملك عرب الشام ليجهز معه جيشا لحرب قريش فعزم على ذلك فكتب إليه الاعراب تنهاه عن ذلك لما رأوا من عظمة مكة وكيف فعل الله بأصحاب الفيل، فكساه ابن جفنة قميصا مصبوغا مسموما فمات من سمه فرثاه زيد بن عمرو بن نفيل بشعر ذكره الأموي تركناه اختصارا وكانت وفاته قبل المبعث بثلاث سنين أو نحوها والله سبحانه وتعالى أعلم.
شئ من الحوادث في زمن الفترة فمن ذلك بنيان الكعبة وقد قيل: إن أول من بناه آدم وجاء في ذلك حديث مرفوع عن عبد الله بن عمرو وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وأقوى الأقوال أن أول من بناه الخليل عليه السلام. كما تقدم وكذلك رواه سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب قال: ثم تهدم فبنته العمالقة ثم تهدم فبنته جرهم ثم تهدم فبنته قريش. قلت: سيأتي بناء قريش له وذلك قبل المبعث بخمس سنين وقيل بخمس عشرة سنة وقال الزهري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الحلم. وسيأتي ذلك كله في موضعه إن شاء الله وبه الثقة.
كعب بن لؤي روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن محمد بن طلحة التيمي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة. قال: كان كعب بن لؤي يجمع قومه يوم الجمعة وكانت قريش تسميه العروبة فيخطبهم فيقول: أما بعد فأسمعوا وتعلموا، وافهموا واعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والأولون كالآخرين، والأنثى والذكر والروح وما يهيج إلى بلى فصلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وثمروا أموالكم. فهل رأيتم من هالك رجع؟ أو ميت نشر؟ الدار أمامكم، والظن غير ما تقولون، حرمكم زينوه وعظموه، وتمسكوا به فسيأتي له نبأ عظيم; وسيخرج منه نبي كريم، ثم يقول:
نهار وليل كل يوم بحادث * سواء علينا ليلها ونهارها يؤوبان بالاحداث حتى تأوبا * وبالنعم الضافي علينا ستورها على غفلة يأتي النبي محمد * فيخبر أخبارا صدوق خبيرها ثم يقول: والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر، ويد ورجل، لتنصبت فيها تنصب الجمل،