فأي الناس فاتونا بوتر * وأي الناس لم نعلك لجاما (1) ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما وكان قصي في قومه سيدا رئيسا مطاعا معظما والمقصود أنه جمع قريشا من متفرقات مواضعهم من جزيرة العرب واستعان بمن أطاعه من أحياء العرب على حرب خزاعة وإجلائهم عن البيت وتسليمه إلى قصي فكان بينهم قتال (2) كثيرة ودماء غزيرة ثم تداعوا إلى التحكيم فتحاكموا إلى يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحكم بأن قصيا أولى بالبيت من خزاعة وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع بشدخه تحت قدميه وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة وأن يخلى بين قصي وبين مكة والكعبة فسمي يعمر يومئذ الشداخ.
قال ابن إسحاق: فولى قصي البيت وأمر مكة، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه، إلا أنه أقر العرب على ما كانوا عليه، لأنه يرى ذلك دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه، حتى جاء الاسلام فهدم الله به ذلك كله، قال [ابن إسحاق] فكان قصي أول بني كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء (3).، فحاز شرف مكة كله. وقطع مكة رباعا بين قومه، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة.
قلت: فرجع الحق إلى نصابه، ورد شارد العدل بعد إيابه، واستقرت بقريش الدار، وقضت من خزاعة المراد والأوطار، وتسلمت بيتهم العتيق القديم لكن بما أحدثت خزاعة من عبادة الأوثان ونصبها إياها حول الكعبة ونحرهم لها وتضرعهم عندها واستنصارهم بها وطلبهم الرزق منها. وأنزل قصي قبائل قريش أباطح مكة، وأنزل طائفة منهم ظواهرها، فكان يقال قريش البطاح، وفريش الظواهر. فكانت لقصي بن كلاب جميع الرئاسة من حجابة البيت وسدانته واللواء وبنى دارا لإزاحة الظلمات وفصل الخصومات سماها دار الندوة إذا أعضلت قضية