يقول ذلك وهذا صحيح إليهما، وكأنهما يقولان ذلك في أيامهما على سبيل التبليغ والاعلام بما اشترطه عبد المطلب عند حفره لها فلا ينافي ما تقدم والله أعلم. وقد كانت السقاية إلى عبد المطلب أيام حياته ثم صارت إلى ابنه أبي طالب مدة ثم اتفق أنه أملق في بعض السنين فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف إلى الموسم الآخر وصرفها أبو طالب في الحجيج في عامه فيما يتعلق بالسقاية فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شئ فقال لأخيه العباس أسلفني أربعة عشر ألفا أيضا إلى العام المقبل أعطيك جميع مالك فقال له العباس: بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لي أكفكها فقال: نعم فلما جاء العام الآخر لم يكن مع أبي طالب ما يعطي العباس فترك له السقاية فصارت إليه ثم من بعده صارت إلى عبد الله ولده ثم إلى علي بن عبد الله بن عباس ثم إلى داود بن علي ثم إلى سليمان بن علي ثم إلى عيسى بن علي ثم أخذها المنصور واستناب عليها مولاه أبا رزين ذكره الأموي.
نذر عبد المطلب ذبح ولده قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب فيما يزعمون نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة. فلما تكامل بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه وهم: الحارث. والزبير. وحجل. وضرار. والمقوم. وأبو لهب. والعباس. وحمزة. وأبو طالب. وعبد الله. جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله عز وجل بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع؟ قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني ففعلوا ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عند هبل قداح سبعة وهي الأزلام التي يتحاكمون إليها إذا أعضل عليهم أمر من عقل أو نسب أو أمر من الأمور جاؤوه فاستقسموا بها فما أمرتهم به أو نهتهم عنه امتثلوه. والمقصود أن عبد المطلب لما جاء يستقسم بالقداح عند هبل خرج القدح على ابنه عبد الله وكان أصغر ولده وأحبهم إليه، فأخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى أساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا: ما تريد يا عبد المطلب؟ قال اذبحه فقالت له قريش وبنوه أخوة عبد الله والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجئ بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا. وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه فيقال إنه شج وجهه شجا لم يزل في وجهه إلى أن مات ثم أشارت قريش على عبد المطلب أن يذهب إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فيسألها عن ذلك ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه فاذبحه وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته فانطلقوا حتى أتوا المدينة فوجدوا العرافة وهي سجاح فيما ذكره يونس بن بكير عن ابن إسحاق بخيبر فركبوا حتى جاؤوها فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها فلما خرجوا قام