خروجهم على الناس في آخر الزمان (جعله دكاء) أي مساويا للأرض ولا بد من كون هذا ولهذا قال: (وكان وعد ربي حقا) [الكهف: 98] كما قال تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. واقترب الوعد الحق) الآية [الأنبياء: 96 - 97] ولذا قال ههنا: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) [الكهف: 99] يعني يوم فتح السد على الصحيح (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) وقد أوردنا الأحاديث المروية في خروج يأجوج ومأجوج في التفسير وسنوردها إن شاء الله في " كتاب الفتن والملاحم " من كتابنا هذا إذا انتهينا إليه بحول الله وقوته وحسن توفيقه ومعونته وهدايته.
قال أبو داود الطيالسي: عن الثوري: بلغنا أن أول من صافح ذو القرنين. وروي عن كعب الأحبار أنه قال لمعاوية: إن ذا القرنين لما حضرته الوفاة أوصى أمه إذا هو مات أن تصنع طعاما وتجمع نساء أهل المدينة وتضعه بين أيديهن، وتأذن له فيه إلا من كانت ثكلى فلا تأكل منه شيئا، فلما فعلت ذلك لم تضع واحدة منهن يدها فيه فقالت لهن سبحان الله كلكن ثكلى؟ فقلن أي والله ما منا إلا من أثكلت فكان ذلك تسلية لامه. وذكر إسحاق بن بشر عن عبد الله بن زياد عن بعض أهل الكتاب وصية ذي القرنين وموعظة أمه موعظة بليغة طويلة فيها حكم وأمور نافعة وأنه مات وعمره ثلاثة آلاف سنة وهذا غريب.
قال ابن عساكر وبلغني من وجه آخر أنه عاش ستا وثلاثين سنة. وقيل كان عمره ثنتين وثلاثين سنة. وكان بعد داود بسبعمائة سنة وأربعين سنة. وكان بعد آدم بخمسة آلاف ومائة وإحدى وثمانين سنة. وكان ملكه ست عشرة سنة (1). وهذا الذي ذكره إنما ينطبق على إسكندر الثاني لا الأول وقد خلط في أول الترجمة وآخرها بينهما والصواب التفرقة كما ذكرنا اقتداء بجماعة من الحفاظ والله أعلم. وممن جعلهما واحدا الامام عبد الملك بن هشام راوي السيرة وقد أنكر ذلك عليه الحافظ أبو القاسم السهيلي رحمه الله إنكارا بليغا ورد قوله ردا شنيعا وفرق بينهما تفريقا جيدا كما قدمنا قال ولعل جماعة من الملوك المتقدمين تسموا بذي القرنين تشبها بالأول. والله أعلم.
ذكر أمتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم وما ورد من أخبارهم وصفة السد هم من ذرية آدم بلا خلاف نعلمه ثم الدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين: من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى يوم القيامة يا آدم [! فيقول: لبيك وسعديك، والخبر في يديك]: قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة.