فلما حلوا أرض برقة وما والاها وجدوا بلادا كثيرة المرعى خالية من الأهل لأن زناتة كانوا أهلها فأبادهم المعز فأقامت العرب بها واستوطنتها وعاثوا في أطراف البلاد.
وبلغ ذلك المعز فاحتقرهم وكان المعز لما رأى تقاعد صنهاجة عن قتال زناتة اشترى العبيد وأوسع لهم في العطاء فاجتمع له ثلاثون ألف مملوك، وكانت العرب زغبة قد ملكت مدينة طرابلس سنة ست وأربعين [وأربعمائة]، فتتابعت رياح والأثبج وبنو عدي إلى إفريقية وقطعوا السبيل وعاثوا في الأرض وأرادوا الوصول إلى القيروان فقال مؤنس بن يحيى المرداسي ليس المبادرة عندي برأي فقالوا كيف تحب أن تصنع فأخذ بساطا فبسطه ثم قال لهم من يدخل إلى وسط البساط من غير أن يمشي عليه قالوا لا نقدر على ذلك قال فهكذا القيروان خذوا شيئا فشيئا حتى لا يبقى إلا القيروان فخذوها حينئذ فقالوا إنك لشيخ العرب وأميرها وأنت المقدم علينا ولسنا نقطع أمرا دونك.
ثم قدم أمراء العرب إلى المعز فأكرمهم وبذل لهم شيئا كثيرا فلما خرجوا من عنده لم يجاوزه بما فعل من الإحسان بل شنوا الغارات وقطعوا الطريق وأفسدوا الزروع وقطعوا الثمار وحاصروا المدن فضاق بالناس الأمر وساءت أحوالهم وانقطعت أسفارهم ونزل بافريقية بلاء لم ينزل بها مثله قط فحينئذ احتفل المعز وجمع عساكره فكانوا ثلاثين ألف فارس ومثلها رجاله وسار حتى أتى جندران وهو جبل بينه وبين القيروان