نفر من قواده ومواليه لارتياد موضع لمجال الخيل فانتهى إلى قريب من سور سليمان بن جامع فتلقاه منهم جمع كثير وخرج عليه كمناء من مواضع شتى ونشبت الحرب واشتدت فترجل جماعة من الفرسان ودافعوا حتى خرجوا عن المضايق التي كانوا وغلوها وأسر من غلمان أبى أحمد وقواده غلام يقال له وصيف علمدار وعدة من قواد زيرك ورمى أبو العباس أحمد بن مهدي الجبائي بسهم في إحدى منخريه فخرق كل شئ وصل إليه حتى خالط دماغه فخر صريعا وحمل إلى عسكر الخائن وهو لما به فعظمت المصيبة به عليه إذ كان أعظم أصحابه غنى عنه وأشدهم بصيرة في طاعته فمكث الجبائي يعالج أياما ثم هلك فاشتد جزع الخائن عليه فصار إليه فولى غسله وتكفينه والصلاة عليه والوقوف على قبره إلى أن دفن ثم أقبل على أصحابه فوعظهم وذكر موت الجبائي وكانت وفاته في ليلة ذات رعود وبروق وقال فيما ذكر علمت وقت قبض روحه قبل وصول الخبر إليه بما سمع من زجل الملائكة بالدعاء له والترحم عليه قال محمد بن الحسن فانصرف إلى أبو واثلة وكان فيمن شهده فجعل يعجبني مما سمع وجاءني محمد بن سمعان فأخبرني بمثل خبر محمد بن هشام وانصرف الخائن من دفن الجبائي منكسرا عليه الكآبة قال محمد بن الحسن وحدثني محمد بن حماد أن أبا أحمد انصرف من الوقعة التي كانت عشية يوم الجمعة لأربع ليال بقين من شهر ربيع الآخر وكان خبره قد انتهى إلى عسكره فنهض إليه عامة الجيش فتلقوه منصرفا فردهم إلى عسكره وذلك في وقت المغرب فلما اجتمع أهل العسكر أمروا بالتحارس ليلتهم والتأهب للحرب فأصبحوا يوم السبت لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر فعبأ أبو أحمد أصحابه وجعلهم كتائب يتلو بعضها بعضا فرسانا ورجالة وأمر بالشذا والسميريات أن يسار بها معه في النهر الذي يشق مدينة طهيثا المعروف بنهر النذر وسار نحو الزنج حتى انتهى إلى سور المدينة فرتب قواد غلمانه في المواضع التي يخاف خروج الزنج عليه منها وقدم الرجالة أمام الفرسان ووكل بالمواضع التي يخاف خروج الكمناء منها ونزل فصلى أربع ركعات وابتهل إلى الله عز وجل في النصر له وللمسلمين ثم دعا
(٦٧)