وإن طولها من طرابنش إلى مسيني إحدى عشرة مرحلة وعرضها ثلاثة أيام، وهي جزيرة خصيبة كثيرة البلدان والقرى والأمصار، وقرأت بخط ابن القطاع اللغوي على ظهر كتاب تاريخ صقلية: وجدت في بعض نسخ سيرة صقلية تعليقا على حاشية أن بصقلية ثلاثا وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصنا ومن الضياع ما لا يعرف، وذكرا أبو علي الحسن بن يحيى الفقيه في تاريخ صقيلة حاكيا عن القاضي أبي الفضل أن بصقلية ثماني عشرة مدينة إحداها بلرم، وأن فيها ثلاثمائة ونيفا وعشرين قلعة، ولم تزل في قديم وحديث بيد متملك لا يطيع من حوله من الملوك وإن جل قدرهم لحصانتها وسعة دخلها، وبها عيون غزيرة وأنهار جارية ونزه عجيبة، ولذلك يقول ابن حمديس:
ذكرت صقلية والهوى يهيج للنفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنة فإني أحدث أخبارها وفي وسطها جبل يسمى قصر يانه، هكذا يقولونه بكسر النون، وهي أعجوبة من عجائب الدهر، عليه مدينة عظيمة شامخة وحولها من الحرث والبساتين شئ كثير، وكل ذلك يحويه باب المدينة، وهي شاهقة في الهواء والأنهار تتفجر من أعلاها وحولها وكذلك جميع جبال الجزيرة، وفيها جبل النار لا تزال تشتعل فيه أبدا ظاهرة لا يستطيع أحد الدنو منها فإن اقتبس منها مقتبس طفئت في يده إذا فارق موضعها، وهي كثيرة المواشي جدا من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوان الوحشي وليس فيها سبع ولا حية ولا عقرب، وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق وجميع الفواكه على اختلاف أنواعها، وكلاها لا ينقطع صيفا ولا شتاء، وفي أرضها ينبت الزعفران، وكانت قليلة العمارة خاملة قبل الاسلام، فلما فتح المسلمون بلاد إفريقية هرب أهل إفريقية إليها فأقاموا بها فعمروها فأحسنوا عمارتها ولم تزل على قربها من بلاد الاسلام حتى فتحت في أيام بني الأغلب على يد القاضي أسد بن الفرات، وكان صاحب صقيلة رجلا يسمى البطريق قسطنطين، فقتله لامر بلغه عنه فتغلب فيمي على ناحية من الجزيرة ثم دب حتى استولى على أكثرها ثم أنفذ صاحب القسطنطينية جيشا عظيما فأخرج فيمي عنها فخرج في مراكبه حتى لحق بإفريقية ثم بالقيروان منها مستجيرا بزيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، وهو يومئذ الوالي عليها من جهة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد، وهون عليه أمرها وأغراه بها فندب زيادة الله الناس لذلك فابتدروا إليه ورغبوا في الجهاد فأمر عليهم أسد ابن الفرات، وهو يومئذ قاضي القيروان، ذ وجمعت المراكب من جميع السواحل وتوجه نحو صقيلة في سنة 212 في أيام المأمون في تسعمائة فارس وعشرة آلاف راجل فوصل إلى الجزيرة وجمع الروم جمعا عظيما فأمر أسد بن الفرات فيمي وأصحابه أن يعتزلوهم وقالوا لا حاجة لنا إلى الانتصار بالكفار، ثم كبر المسلمون وحملوا على الروم حملة صادقة فانهزم الروم وقتل منهم قتلا ذريعا وملك أسد بن الفرات بالتنقل جميع الجزيرة، ثم توفي في سنة 213، وكان رجلا صالحا فقيها عالما، أدرك حياة مالك بن أنس، رضي الله عنه، ورحل إلى الشرق، وبقيت بأيدي المسلمين مدة وصار أكثر أهلها مسلمين وبنوا بها الجوامع والمساجد ثم ظهر عليها الكفار فملكوها فهي اليوم في أيديهم، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة صقلية طولها أربعون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة، طالعها السنبلة، عاشرها ذارع الكلب ولها