الواحد بالناس، ووقف بلج في أصحابه بعرفات وبجمع، وأقاموا أيام منى، فلما كان يوم النفر نفر عبد الواحد فأتى مكة ثم أتى أبو حمزة مكة، فخطبهم على المنبر فقال: يا أهل مكة تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب.
خطبة أبي حمزة:
(يا أهل مكة تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب؟ وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا؟ أما إني عالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيديكم [264 ظ] نعم شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال، غبية عن الشر أعينهم، بطية عن الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر أحدهم باية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر باية فيها ذكر الناس شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله إذا رأوا سهام العدو فوقت، ورماحهم قد أشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد رملت محاسن وجهه بالدماء وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على تلك الأبدان، وأد خل أرواحها الجنان.) ثم قال: (الناس منا ونحن منهم، إلا عابد وثن أو كفرة أهل الكتاب أو سلطانا جائرا أو شادا على عضدة.) وحدثنا إسماعيل بن إسحاق: عن الزنجي بن خالد قال: خطبنا أبو حمزة بمكة خطبة شكك المستبصر وزاد المرتاب، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس سألناكم عن ولاتكم هؤلاء، فقلتم فيهم والله الذي نعرف، قلتم: أخذوا المال من