ومقصد رواد التأريخ الصحيح، ومرمى العارف النابه السليم، ومنتجع الخطيب المفوه، والقول الفصل: إنه مشرع المجتمع البشري، ومصحف الملأ الانساني أجمع.
حث سبحانه وتعالى على السير في أرجاء الأرض والجولة في ربوع العالم، وإمعان النظر في آثار قدرته، ومجالي رحمته، ومحال كبريائه، ومظاهر عظمته، ومعالم قدسه، وعجائب صنعه، ولطائف حكمه، ودقائق ملكه، ورقائق أمره، وجوامع خلقه، ومهاد كرامته، وبدائع سلطانه، وسبحات وجهه، وعواطف رأفته، وسوابغ نعمه، ونفحات جلاله وجماله وكماله، ومجاري منحه ومننه، وبينات فضله، وآيات طوله، وطرائق إرادته، ومشاهد مجده وحمده، سبحانه وتعالى، سبحانه وتقدس.
يلمس السائح النابه البصير باليد منبض الملأ، ويعرف علل انحطاط البشر وبواعث الانحلال في جامعة الإسلام المقدس، ويكون على بصيرة من أدواء المجتمع وجراثيم العيث والفساد، ويعلم ما هي عوامل سرعة السير إلى التقدم والرقي، وما هي موجبات تأخر الأمم عن صالحها، وتشتت شملها، وتبدد جمعها، واستئصال شأفتها، ويطلع على مواقف العظة والعبر، ويتخذ تجربة من تدهور الآثار، وتقلبات الدول والحكومات، وتكثر الآراء والمعتقدات، فيتجرد للسعي وراء الحقيقة الراهنة، ويتفرغ لابتغاء ما فيه رشده وهداه.
تفتح للسائح النبيل أبواب العلم، ويكشف عنه غطاؤه، فيغدو - وهو أوعى من كل وعي - نضيج الرأي، صالح الفكرة، راجح العقل، رخي اللب، ثابت الحصاة، حصيف النظر، بعيد الهمة، قوي الحنكة، عظيم الإرادة، حفيا محنكا حازما، يقتحم عظائم الأمور، ويعرف الورد من الصدر، ويعلم من أين تؤكل الكتف.
يحتفل الرحال الثقافي بجهابذة العلم، وصيارفة الكلام، ويجتمع مع رجالات الدين والفقه والتفسير والحديث والأخلاق والتأريخ، إلى أساتذة علوم وفنون لا مندوحة لإنسان عنها، إلى الحكماء والفلاسفة، إلى الساسة والقادة، إلى نوابغ،