ير في الحياة ألذ من مسامرة الكتاب - مطالعته واستنساخه - تاركا وراءه جل لذائذ العيش، غير مكترث بصحته العامة، وحال عائلته وشؤونهم.
وانقضت أعوام وأعوام وهو لا يعبأ بوقت الأكل ونوعه وكيفيته، ولم يتناول قوته اليومي إلا بعد نداء ممل ممن كانوا بانتظاره على المائدة في وجبة غداء أو عشاء، كل هذا تلهفا منه وشوقا لقضاء شوط كبير من تأليفه كل يوم.
وكلما تقدم في البحث ازداد نشاطا، وتلقى العمل منه صبرا وجلادة في العزم، وشكيمة في أداء الواجب الديني.
ومرت السنون بمثل هذا النضال المرير، والجهد المضني، والعمل المتواصل بكل القوى ليل نهار، حتى أصدر أحد عشر جزءا من الكتاب وفي غضونه بحوث إسلامية عالية، ودروس دينية ثمينة في التفسير، والحديث، والتأريخ، والآراء والمعتقدات، مقرونة بالتحقيق والتمحيص، والتقصي والاستقراء الشامل، مدعمة بالمصادر العلمية، بعيدة عن العصبية والتطرف.
واستقبل الكتاب من لدن العلماء، وجهابذة الرأي، وأساتذة الجامعات، ورجالات الفكر، وصيارفة النقد والتحليل، وملايين المثقفين العرب والمسلمين في العالم بكل وله وشوق، واحتل الصدارة في صحف البلاد العربية والإسلامية.
وكلما صدر جزء انهالت على المؤلف (قدس سره) عاصفة من رسائل التقريظ والتقدير والإعجاب والتأييد، وإبداء التلهف للوقوف على بقية أجزائه، لما في بطونها من علم غزير، وبحوث عالية، وحقائق دينية ناصعة، وكشف لأحاديث ووقائع أسدل عليها ستار الشبه، وسترتها يد الأهواء، حتى ظل يجهلها أكثر المؤرخين والباحثين، وخفيت على جميع المسلمين.
وما نشر في الأجزاء المطبوعة من كلمات رصينة، وتقاريض عسجدية تنم عن أهمية الكتاب الذي احتل مكانا مرموقا في المكتبة العربية، ومدى ما تضمره الأوساط العلمية، والدينية، والثقافية من إكبار وتقدير للكتاب، وتأثير في العالم الإسلامي وتأثرها ببحوثها، وترى فيه طريقا مهيعا لجمع شمل المسلمين وتوحيد