المكتبة مخزن حافل، يحتوي ما أنتجته الأفكار الراقية في مختلف الأمصار والأعصار، ويجمع من ولائد أنظار المفكرين في كل علم وفن كل تليد وطارف، ويضم ما جادت به الكليات العالمية في أدوارها الغابرة من فوائد وفرائد من كل علم ناجع، وما أتحفته تلكم الكليات للمجتمع البشري من الأزهار والأنوار من حدائق الفنون، وتحتفظ شوارد ما أثمرته العقول الرصينة، والأفكار الناضجة، والهمم القعساء، من أناس قضوا في سبيل الفضيلة حياتهم، ومنوا دون السعي وراء صالح الأمة بكوارث وشدائد مدلهمة.
المكتبة تشكل صفوف التعليم والتربية، وتمثل صنوف العلوم والفنون الحاصلة في الأدوار الخالية، وتضم ذخائر كل أمة ونحلة من كل نفيس وثقل من التراث العلمي، وهي وسيط، تجمع بين القارئ وبين آلاف مؤلفة من حسنات الدهر، ورجالات العصر، في قرونه الماضية، على عدد ما يوجد فيها من التآليف والكتب والمعاجم والموسوعات والصحف المكرمة، لا لغو فيها ولا تأثيم، لا سأم فيها ولا ملل.
المكتبة تمون وتمد الحياة الروحية، وتتكفل إصلاح المجتمع البشري من كل ما يدنس الغرائز، وتدعوه إلى الصالح العام، وتحدوه إلى الأمام والتقدم، إلى الإنسانية السامية، إلى المكارم والمعالم، إلى الفواضل والفضائل، إلى الخير والصلاح، وتزحزح الملأ عما يفسد النفوس، عما يبيد الملكات الفاضلة، عما يشوه النفسيات الكريمة، عما يدنس ذيل الإنسان من كل رذيلة وذميمة.
المكتبة تعالج النفوس من أدواء الجهل المفضية إلى الدمار والبوار، والجهل بذرة كل شقاق وشغب، وشر ونفاق وافتراق وتفكك وتبعثر وتبدد، وجرثومة كل الميول والأهواء والشهوات والنزعات المبيدة، ومادة كل داء يميت روح الإنسانية، ويبث في الملأ عوامل الفساد، ويجر على الأمة دائرة السوء، ويسف أبناء الشعب إلى حضيض التعاسة، ويفتر الجوارح والجوانح العاملة للبقاء، ويسوق صاحبها إلى الهلاك والفناء.