حرصهم على إبدائه كأفضل ما يمكن أن يبدو شعور من شاعر، وليس ذاك لاستعصاء البيان عليهم فيما يريدون، وإنما لطغيان شعورهم طغيانا تجاوز في مداه مستوى البيان، فلم يعد في مقدور أحدهم أن يضبط شعوره في حدود هذه السطور مهما ذهب بعيدا أو إلى أبعد الحدود، وكم قرأت للسادة المقرضين من كلمات قيمات حول كتابك الكريم، فشكرت لهم في نفسي انصياعهم إلى تقديره جهد ما يستطيعه قلم التقدير، غير أن شيئا من تلك الكلمات المشكورة - على ما تميز بعضها من سمو المعنى المقرون بسمو الذات - لم يجار شعوري الطاغي تجاه الكاتب إلا في قليل من كثير، ولم يواكبه إلا إلى الحد الأدنى من تلك المسافات البعيدة المترامية التي لابد من قطعها قبل الوصول إلى الغاية المتوخاة، لذلك فقد رأيت غير متردد أن من الأفضل في هذا المجال تجميد البيان إلا من الاعتراف بالعجز عن البيان، وأي غضاضة في هذا الاعتراف وهو لا يعدو في واقعة أن يكون اعترافا بالعجز عن الإتيان بالمعجز، وهل استطاع الإتيان بالمعجز غير الأنبياء من الناس أو نفر ممن اصطنعهم الله لدينه؟ فأظهر آيته على أيديهم دون أن يجعلهم من الأنبياء، كما أظهر هذا الكتاب علي يديك ليجعله آيتك الخالدة على مر الأعصار والدهور، وحقا إنه لآيتك الخالدة التي ستظل رمزا على عبقريتك الفذة ونبوغك الباهر كلما تصفحت الأجيال من كتابك الأغر صفحاته الغراء، واستجلت من خلال سطوره النيرة أياديك البيضاء، وتبينت من ثنايا جهوده الجبارة مبلغ عنائك في سبيل الحق الذي ثرت لنصرته كما يثور الفارس المغوار، والبطل الكرار، حين يثور للذب عن حرمته، والذود عن كرامته. فهنيئا لك هذا الفوز العظيم الذي جعل منك بطلا من أبطال المؤمنين، ونصيرا من أنصار هذا الدين، وأسأل الله تعالى بأحب خلقه إليه وأعزهم لديه أن يمدك بالعناية حتى النهاية، وأن يتعاهدك بالتوفيق إلى منتهى الطريق، فإنه ولي ذلك كله، وما هو عن لطفه تعالى ببعيد، والسلام عليكم أولا وأخيرا ورحمة الله وبركاته.
24 شهر رمضان 1371 مرتضى آل ياسين