بل لغتنا لا يمكن ذلك فيها، فكيف لغة الغير؟ مثلا: إذا سمعنا المداوى بماء الشعير فلا يمكننا أن نقول هو الماء والشعير كيف كانا، أو الممزوج منه كيف كان، وكذا الحال في المفرح الياقوتي، وأمثال ذلك من الأدوية المركبة، بل المفردة أيضا مثل: ماء الجبن، وغير ذلك.
فإذا كان لغتنا لا يمكن ذلك، فكيف الحال في تلك اللغات؟ فإذا كانت اللغات العامة لا يمكن ذلك فيها، فما ظنك بالاصطلاحات الخاصة، و المجازات المستعملة؟ إذ كلما كان الشئ أخص كان توغله في الابهام أزيد، وعدم معرفته أشد.
وإذا كانت الاصطلاحات الخاصة كذلك فما ظنك بالعبارات التوقيفية على خصوص الشرع ليس إلا. والمراد من التوقيفي: ما أحدثه الشرع خاصة، ولو كان غير العبادة أيضا كذلك كان أيضا كذلك، إلا أنه لم يوجد منه كما مر.
وجز العبادة ربما يكون توقيفيا كالركوع، والسجود، وربما لم يكن كالقيام، والقعود، في الصلاة، وكذا شرطها: كالطهارة من الحدث، وغسل الخبث. وأصل العدم يجري في غير العبادات، وإن كان جز العبادة أو شرطها، إن لم يحتمل كون المنفي بهذا الأصل جزا على حدة في نفس العبادة، ومعتبرا في تحقق ماهيتها بملاحظة وفاق أو غيره من الأدلة.
ويدل أيضا على عدم جريان أصل العدم في اللغات - لغات العبادة وغيرها - (أن الأصل عدم كل شئ)، فكيف يستدل به على ثبوت كون شئ معنى اللفظ؟ مع أن ذلك الشئ يكون الأصل عدم كونه أيضا معناه، إذ لم يكن قبل الوضع معناه قطعا، وبعد الوضع لم يكن فرق بينه وبين ما تنفيه بالأصل، بل إذا كان المنفي جزا واحدا، والمثبت أجزأ متعددة،