فقد استبان مما ذكرنا وما في مواضع من " صه " أن الرواية مقبولة عنده إذا كان رواتها عدلا، وأن الأصل في قبول الرواية ذلك ويرد رواية الرجل أو يتوقف فيها بحسب مراتب قوة الرجل إذا لم يبلغ أدلة حسن حاله ذاك المبلغ، إلا أن يكون الرجل ذا قوة عظيمة كعلي بن الحسن وأمثاله، فإنه حينئذ يقبل روايته، ولذلك يصح أن يقول في دليل حال الرجل: هذا ليس من الدلائل على التعديل، كما يصح أن يقول: أعتمد على روايته وإن كان مذهبه فاسدا.
ثم إن كان دليل حسن حال الرجل قويا بحيث يصلح أن يكون مرجحا كما في ترجمة حماد السمندري وفي ثوير بن أبي فاخته يصح عنده التوقف فيه وربما ذكره في القسم الأول لذلك، وإلا يقول بردها ولم يذكره في هذا القسم إلا بوجه من الوجوه كما سنذكره.
ثم لا يخفى أن الرجل قد يقبل روايته لتوثيق بعض من لا عبرة بمذهبه كابن عقدة وابن نمير والبخاري وأضرابهم لوجه من الاعتبارات وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة جليلا لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد، فإن الفضل ما شهدت به الأعداء.
نعم جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به وإن كان الجارح ثقة.
وبالجملة العبرة تدور بالاعتبارات، ولذلك من يعتبر قوله في موضع، قد يرد في موضع آخر، وقس على ذلك ما يتراءى من قبول الرواية فيما كان الراوي يشهد لنفسه في روايته، ويدور تحقيق ذلك كله على ما في الإكليل في عنوان عبد السلام بن صالح عند قولنا: (وعن زرعة صحيح).
ونقول في المقام الثاني: إن المقصود من القسم الأول ووضعه أن يذكر فيه من يقبل روايته، ولا يلزم من ذلك التزام أن كل الداخل في هذا القسم حاله ذلك، ومن هذا الباب أن وضع الخلاصة أن يذكر فيه من يكون ممدوحا أو مذموما، وهو قد يذكر فيه المجهول.
وقال في باب الفضل: الفضل بن غياث من أصحاب الباقر (عليه السلام)، مجهول (1)، وكذا في عبد الرحمن بن زرعة (2). ومن المعلوم أنه لم يذهب عنه وضع كتابه، وفي يزيد بن نويرة: إنما ذكرت هذا الرجل هنا لشرفه وكون القضية مقتضية لعلو شأنه، وهي وإن كانت مرسلة لا تقتضي إدخاله في هذا القسم لأن رواية هذا الرجل للأحكام الشرعية غير موجودة فيما نعلم، فلا يضر ذكره هنا مع التنبيه على ذلك، انتهى.
فقد استبان من ذلك أنه قد يذكر من لا يقبل روايته في هذا الباب لكون ذكره فيه أولى وأنسب باعتبار بعض الأمور حتى أن مدح الرجل في الجملة مرجح لإيراده فيه باعتبار عدم وجود الرواية عنه، فوضع