والمعتمد في المسألة الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي الابصار) * (الحشر: 2) أمر بالاعتبار، والاعتبار هو الانتقال من الشئ إلى غيره، وذلك متحقق في القياس حيث إن فيه نقل الحكم من الأصل إلى الفرع. ولهذا، قال ابن عباس في الأسنان اعتبر حكمها بالأصابع، في أن ديتها متساوية، أطلق الاعتبار، وأراد به نقل حكم الأصابع إلى الأسنان، والأصل في الاطلاق الحقيقة وإذا ثبت أن القياس مأمور به، فالامر إما أن يكون للوجوب، أو للندب على ما سبق في الأوامر. وعلى كلا التقديرين، فالعمل بالقياس يكون مشروعا.
فإن قيل لا نسلم أنه أمر بالاعتبار، وصيغة افعلوا مترددة بين الامر وغيره، كما سبق في الأوامر، وليس جعلها ظاهرة في البعض أولى من البعض، سلمنا أنها للامر، ولكن لا نسلم أن الاعتبار ما ذكرتموه، بل هو عبارة عن الاتعاظ، ويدل عليه أمران: الأول قوله تعالى: * (إن في ذلك لعبرة لأولي الابصار) * (آل عمران: 13) وقوله: * (وإن لكم في الانعام لعبرة) * (النحل: 66) والمراد به الاتعاظ، إذ هو المتبادر إلى الفهم من إطلاق هذا اللفظ.
الثاني أن القائس في الفروع إذا أقدم على المعاصي، ولم يتفكر في أمر آخرته ، يقال إنه غير معتبر، ولو كان القياس هو الاعتبار، لما صح سلب ذلك عنه.
سلمنا أن الاعتبار ظاهر في القياس، لكنه قد وجد في الآية ما يمنع من الحمل عليه ويصرفه إلى الاعتبار بمعنى الاتعاظ، وذلك قوله تعالى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * (الحشر: 2) ولو كان الاعتبار بمعنى القياس لما حسن ترتيبه على ذلك، وإنما يحسن ذلك عند إرادة الاتعاظ.
سلمنا أن المراد به القياس، غير أنه ليس في الآية صيغة عموم تقتضي العمل بكل قياس، فكانت الآية مطلقة، والمطلق إذا عمل به في صورة أو صور لا يبقى حجة فيما عداها، ضرورة الوفاء بالعمل بدلالته، وقد عملنا بذلك في القياس العقلي