المسألة السابعة إذا حدثت للعامي حادثة، وأراد الاستفتاء عن حكمها، فإما أن يكون في البلد مفت واحد، أو أكثر:
فإن كان الأول، وجب عليه الرجوع إليه، والاخذ بقوله، وإن كان الثاني، فقد اختلف الأصوليون:
فمنهم من قال لا يتخير بينهم، حتى يأخذ بقول من شاء منهم، بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين من الأورع والأدين والأعلم، وهو مذهب أحمد بن حنبل وابن سريج والقفال من أصحاب الشافعي وجماعة من الفقهاء والأصوليين، مصيرا منهم إلى أن قول المفتيين في حق العامي ينزل منزلة الدليلين المتعارضين في حق المجتهد، وكما يجب على المجتهد الترجيح بين الدليلين، فيجب على العامي الترجيح بين المفتيين، إما بأن يتحفظ من كل باب من الفقه مسائل، ويتعرف أجوبتها ويسأل عنها، فمن أجابه، أو كان أكثر إصابة، اتبعه، أو بأن يظهر له ذلك بالشهرة والتسامع، ولأن طريق معرفة هذه الأحكام إنما هو الظن، والظن في تقليد الأعلم والأدين أقوى، فكان المصير إليه أولى.
وذهب القاضي أبو بكر وجماعة من الأصوليين والفقهاء إلى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء، وسواء تساووا أو تفاضلوا، وهو المختار.
ويدل على ذلك أن الصحابة كان فيهم الفاضل والمفضول من المجتهدين. فإن الخلفاء الأربعة كانوا أعرف بطريق الاجتهاد من غيرهم، ولهذا قال عليه السلام عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وقال عليه السلام: أقضاكم علي، وأفرضكم زيد، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وكان فيهم العوام ومن فرضه الاتباع للمجتهدين والاخذ بقولهم