لا غير. ومع ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام الاجتهاد في أعيان المجتهدين، ولا أنكر أحد منهم اتباع المفضول والاستفتاء له، مع وجود الأفضل، ولو كان ذلك غير جائز، لما جاز من الصحابة التطابق على عدم إنكاره والمنع منه ويتأيد ذلك، بقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ولولا إجماع الصحابة على ذلك لكان القول بمذهب الخصوم أولى.
المسألة الثامنة إذا اتبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث، وعمل بقوله فيها، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره.
وهل له اتباع غير ذلك المجتهد في حكم آخر؟ اختلفوا فيه:
فمنهم من منع منه، ومنهم من أجازه، وهو الحق نظرا إلى ما وقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة، وأنه لم ينقل عن أحد من السلف الحجر على العامة في ذلك، ولو كان ذلك ممتنعا، لما جاز من الصحابة إهماله، والسكوت عن الانكار عليه، ولأن كل مسألة لها حكم نفسها، فكما لم يتعين الأول للاتباع في المسألة الأولى إلا بعد سؤاله فكذلك في المسألة الأخرى.
وأما إذا عين العامي مذهبا معينا، كمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو غيره، وقال: أنا على مذهبه، وملتزم له، فهل له الرجوع إلى الاخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟
اختلفوا فيه: فجوزه قوم نظرا إلى أن التزامه لمذهب معين غير ملزم له، ومنع من ذلك آخرون، لأنه بالتزامه المذهب صار لازما له، كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة. والمختار إنما هو التفصيل، وهو أن كل مسألة من مذهب الأول اتصل عمله بها، فليس له تقليد الغير فيها، وما لم يتصل عمله بها، فلا مانع من اتباع غيره فيها