المسألة الرابعة اتفق أهل الحق من المسلمين على أن الاثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية، وذهب بشر المريسي وابن علية وأبو بكر الأصم ونفاة القياس، كالظاهرية والامامية، إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين، وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه، فهو آثم غير كافر، ولا فاسق.
وحجة أهل الحق في ذلك، ما نقل نقلا متواترا لا يدخله ريبة ولا شك، وعلم علما ضروريا من اختلاف الصحابة فيما بينهم في المسائل الفقهية، كما بيناه فيما تقدم مع استمرارهم على الاختلاف إلى انقراض عصرهم، ولم يصدر من أحد منهم نكير، ولا تأثيم لاحد، لا على سبيل الابهام ولا التعيين، مع علمنا بأنه لو خالف أحد في وجوب العبادات الخمس وتحريم الزنى والقتل، لبادروا إلى تخطئته وتأثيمه.
فلو كانت المسائل الاجتهادية نازلة منزلة هذه المسائل في كونها قطعية ومأثوما على المخالفة فيها، لبالغوا في الانكار والتأثيم، حسب مبالغتهم في الانكار على من خالف في وجوب العبادات الخمس وفي تأثيمه، لاستحالة تواطئهم على الخطأ، ودلالة النصوص النازلة منزلة التواتر على عصمتهم عنه، كما سبق تقريره في مسائل الاجماع.
فإن قيل: فقد وقع الانكار من بعضهم على بعض في العمل بالرأي والاجتهاد في المسائل الفقهية، كما ذكرناه في إثبات القياس على منكريه، ومع الانكار فلا إجماع.
وإن سلمنا عدم نقل إنكارهم لذلك، فيحتمل أنهم أنكروا و لم ينقل إلينا. وبتقدير عدم صدور الانكار منهم ظاهرا، فيحتمل أنهم أضمروا الانكار والتأثيم تقية وخوفا من ثوران فتنة وهجوم آفة.
قلنا: أما السؤال الأول فقد أجبنا عنه فيما تقدم.
وأما الثاني فهو خلاف مقتضى العادة، فإنه لو وجد الانكار، لتوفرت الدواعي على نقله، واستحال في العادة كتمانه، كما نقل عنهم الانكار على الخوارج ومانعي الزكاة وغير ذلك. وبمثل هذا يندفع أيضا ما ذكروه من السؤال الثالث.