المسألة الثالثة القائلون بوجوب الاستفتاء على العامي، اتفقوا على جواز استفتائه لمن عرفه بالعلم، وأهلية الاجتهاد، والعدالة، بأن يراه منتصبا للفتوى، والناس متفقون على سؤاله والاعتقاد فيه، وعلى امتناعه فيمن عرفه بالضد من ذلك.
واختلفوا في جواز استفتاء من لم يعرفه بعلم ولا جهالة.
والحق امتناعه على مذهب الجمهور، وذلك لأنه لا نأمن أن يكون حال المسؤول كحال السائل في العامية المانعة من قبول القول.
ولا يخفى أن احتمال العامية قائم، بل هو أرجح من احتمال صفة العلم والاجتهاد، نظرا إلى أن الأصل عدم ذلك، وإلى أن الغالب إنما هو العوام، وأن اندراج من جهلنا حالة تحت الأغلب، أغلب على الظن. ولهذا، امتنع قبول قول مدعي الرسالة وقبول قول الراوي والشاهد إذا لم يقم دليل على صدقه.
فإن قيل إذا لم يعرف العامي السائل عدالة المفتي، فلا يخلو:
إما أن يقال إنه يجب عليه البحث عن عدالته، أو لا يجب:
فإن قيل بالأول، فهو خلاف ما الناس عليه في العادة من غير نكير.
وإن قيل بالثاني، فلا يخفى أن احتمال عدم العدالة مقاوم لاحتمال العدالة، وعند ذلك، فاحتمال صدقه فيما يخبر به مقاوم لاحتمال كذبه.
وعند ذلك إما أن يلزم من جواز الاستفتاء مع الجهل بالعدالة جوازه مع الجهل بالعلم، أو لا يلزم:
فإن لم يلزم، فما الفرق؟ وإن لزم فهو المطلوب.
قلنا: لا نسلم جريان العادة بما ذكروه عند إرادة الاستفتاء وعلى هذا، فلا بد من السؤال عن العدالة بما يغلب على الظن من قول عدل أو عدلين.
وإن سلمنا أنه لا يحتاج إلى البحث عن ذلك، فالفرق ظاهر، وذلك لان الغالب من حال المسلم، ولا سيما المشهور بالعلم والاجتهاد، إنما هو العدالة، وهو كاف في إفادة الظن، ولا كذلك في العلم، لأنه ليس الأصل في كل إنسان أن يكون عالما مجتهدا، ولا الغالب ذلك.