الأول: لا نسلم عدم النكير عليهم، فإن الآية إنما خرجت مخرج الانكار لقولهم ذلك، ولذلك قال تعالى: * (إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) * (إبراهيم: 11).
الثاني: أنه وإن كان قياسا وتشبيها في الأمور الحقيقية، فلا يلزم مثله في الأحكام الشرعية إلا بطريق القياس أيضا، وهو محل النزاع.
وأما الاجماعية، فمنها أنهم قالوا: الأمة قد علقت من قوله تعالى: * (ولا تقل لهما أف) * (الاسراء: 23) تحريم الشتم والضرب بطريق القياس، وهو غير صحيح لامكان قول الخصم إن ذلك إنما عقل من دلالة اللفظ وفحوى الخطاب، على ما سبق، وإن كان ذلك بطريق القياس، غير أن العلة فيه معلومة بدلالة النص، وهي كف الأذى عن الوالدين، ولا يلزم مثله فيما كانت العلة فيه مستنبطة مظنونة، كما قاله النظام.
ومنها أن الأمة مجمعة على رجم الزاني المحصن قياسا على رجم النبي (ص) (لماعز) وهو ضعيف، وأيضا لامكان أن يقال بل إنما حكموا بذلك بناء على قوله (ص):
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ومنها أن الأمة مجمعة على أن الله تعالى تعبدنا بالاستدلال بالامارات على جهة القبلة عند اشتباهها، وذلك أيضا مما لا يمكن التمسك به، لان الخصم لا يمنع من التمسك بالامارات مطلقا، بل يجوز ذلك في القبلة وفي تقويم أروش الجنايات، وقيم المتلفات وتقدير النفقات، وفيما كانت الامارات فيه خفية، ولا يلزم مثله في الامارات الشرعية والأقيسة كيف وإن من الخصوم من يمنع من صحة الاجتهاد عند اشتباه القبلة، ويوجب التوجه إلى الجهات الأربع، حتى يخرج عن العهدة بيقين.
وأما الحجة المعنوية فهي أن النص والاجماع مما يقل في الحوادث ويندر.
فلو لم يكن القياس حجة أفضى ذلك إلى خلو أكثر الوقائع عن الأحكام الشرعية وهو خلاف المقصود من بعثة الرسل، وذلك ممتنع، وهي ضعيفة أيضا