المسألة التاسعة المكلف إذا كان قد حصلت له أهلية الاجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل، فإن اجتهد فيها، وأداه اجتهاده إلى حكم فيها، فقد اتفق الكل على أنه لا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين، في خلاف ما أوجبه ظنه، وترك ظنه.
وإن لم يكن قد اجتهد فيها، فقد اختلفوا فيه.
فقال أبو علي الجبائي: الأولى له أن يجتهد، وإن لم يجتهد وترك الأولى، جاز له تقليد الواحد من الصحابة، إذا كان مترجحا في نظره على غيره ممن خالفه، وإن استووا في نظره يخير في تقليد من شاء منهم، ولا يجوز له تقليد من عداهم.
وبه قال الشافعي في رسالته القديمة.
ومن الناس من قال: يجوز له تقليد الواحد من الصحابة أو التابعين، دون من عداهم، قال محمد بن الحسن: يجوز تقليد العالم لمن هو أعلم منه، ولا يقلد من هو مثله أو دونه، وسواء كان من الصحابة أو غيرهم، وقال ابن سريج: يجوز تقليد العالم لمن هو أعلم منه إذا تعذر عليه وجه الاجتهاد.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري يجوز تقليد العالم للعالم مطلقا.
وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان. وقال بعض أهل العراق: يجوز تقليد العالم فيما يفتي به، وفيما يخصه. ومنهم من قال بجواز ذلك فيما يخصه دون ما يفتى به.
ومن هؤلاء من خصص ذلك بما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد.
وذهب القاضي أبو بكر وأكثر الفقهاء إلى منع تقليد العالم للعالم، سواء كان أعلم منه، أو لم يكن. وهو المختار.
إلا أن القائلين بذلك قد احتجوا بحجج ضعيفة لا بد من ذكرها والتنبيه على ضعفها، ثم نذكر بعد ذلك ما هو المختار.
الحجة الأولى: أن من له أهلية الاجتهاد متمكن من الاجتهاد، فلا يجوز مع ذلك مصيره إلى قول غيره، كما في العقليات.