ولهذا فإنه لو اجتمع في المحل الواحد حقان لله وللآدمي، وتضايق المحل عن استيفائهما، كما لو وجب القتل على شخص بالردة وبالقتل الموجب للقصاص، فإنه يقدم حق الآدمي على حق الله تعالى، ويقتل قصاصا، لا بالردة ولهذا طرد أهل اللغة مثل ذلك وعدوه فيما لا يقتضي زوال ملك الآدمي، فإنه لو قال القائل لغيره لا تأكل هذا الطعام، فأنه مسموم، ولا تشرب هذا الشراب، فأنه مسهل، ولا تجالس فلانا لسواده فإن أهل اللغة يعدونه إلى كل ما هو من جنسه مشارك له في العلة. وعلى هذا نقول إنه لو قال لوكيله بع هذا العبد لسواده أو لسوء خلقه، وكان قد قال له مهما ظهر لك رضائي بشئ من التصرفات بقرائن الأحوال دون صريح الأقوال، فافعله. وعلم أن العلة في إطلاق البيع السواد وسوء الخلق خاصة، فله بيع كل ما شاركه في تلك العلة على وزان ذلك في الشرع.
وعن السابعة: أنها منقوضة بمخالفة البراءة الأصلية بالنصوص الظنية وبالاقرار والشهادة والفتوى وغير ذلك.
وعن الثامنة أنه لو لم يرد النص بالحكم في أصول الأقيسة، وإلا كان التعبد بإثبات أحكامها بالقياس على أصل آخر جائزا، وإن امتنع ذلك لما فيه من التسلسل، فلا يرد به التعبد لاستحالته في نفسه.
وعن التاسعة: أنه لا يمتنع في العقل أيضا ورود التعبد بإخبارنا عن كون زيد في الدار عن ظن، إذا ظهرت أمارة كونه في الدار.
وعن العاشرة: أنها مبينة على فاسد أصول الخصوم في وجوب رعاية الصلاح والأصلح، وهو باطل على ما عرف من أصلنا. وإن سلمنا وجوب رعاية المصلحة ، فلا يمتنع، أن يكون في التعبد بالقياس مصلحة، وقد استأثر الرب تعالى بالعلم بها كيف وإن ما ذكروه منقوض بورود التعبد بالنصوص الظنية وقبول الشهادة والاجتهاد في القبلة حالة الاشتباه، وبقبول قول العدول في قيم المتلفات وأرش الجنايات وتقدير النفقات.