المسألة الثانية اختلفوا في النبي، عليه السلام وأمته، بعد البعث، هل هم متعبدون بشرع من تقدم؟
فنقل عن أصحاب أبي حنيفة، وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه، وعن بعض أصحاب الشافعي أن النبي عليه السلام، كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه، لا من جهة كتبهم المبدلة ونقل أربابها.
ومذهب الأشاعرة والمعتزلة المنع من ذلك، وهو المختار ويدل على ذلك أمور أربعة.
الأول: أن النبي، عليه السلام، لما بعث معاذا إلى اليمن قاضيا قال له بم تحكم؟
قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟
قال: أجتهد رأيي ولم يذكر شيئا من كتب الأنبياء الأولين وسننهم، والنبي، عليه السلام، أقره على ذلك، ودعا له، وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله ولو كانت من مدارك الأحكام الشرعية لجرت مجرى الكتاب والسنة في وجوب الرجوع إليها، ولم يجز العدول عنها إلى اجتهاد الرأي إلا بعد البحث عنها واليأس من معرفتها.
الثاني: أنه لو كان النبي عليه السلام متعبدا بشريعة من قبله، وكذلك أمته، لكان تعلمها من فروض الكفايات، كالقرآن والاخبار، ولوجب على النبي عليه السلام، مراجعتها، وأن لا يتوقف على نزول الوحي في أحكام الوقائع التي لا خلو للشرائع الماضية عنها، ولوجب أيضا على الصحابة بعد النبي، عليه السلام، مراجعتها والبحث عنها والسؤال لناقليها عند حدوث الوقائع المختلف فيها فيما بينهم، كمسألة الجد والعول وبيع أم الولد والمفوضة وحد الشرب وغير ذلك، على نحو بحثهم عن الاخبار النبوية في ذلك، وحيث لم ينقل شئ من ذلك، علم أن شريعة من تقدم غير متعبد بها لهم.