قولهم (ان أدلة الأصول أخفى، فكان التقليد فيها أولى من الفروع) ليس كذلك فإن المطلوب في الأصول القطع واليقين، بخلاف الفروع فإن المطلوب فيها الظن، وهو حاصل من التقليد، فلا يلزم من جواز التقليد في الفروع جوازه في الأصول.
وبه يكون الجواب عن المعارضة الأخيرة أيضا.
المسألة الثانية العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد، وان كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، يلزمه اتباع قول المجتهدين والاخذ بفتواه، عند المحققين من الأصوليين.
ومنع من ذلك بعض معتزل البغداديين وقالوا: لا يجوز ذلك الا بعد أن يتبين له صحة اجتهاده بدليله.
ونقل عن الجبائي أنه أباح ذلك في مسائل الاجتهاد دون غيرها، كالعبادات الخمس.
والمختار إنما هو المذهب الأول. ويدل عليه النص، والاجماع، والمعقول.
أما النص فقوله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43) وهو عام لكل المخاطبين، ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم، بحيث يدخل فيه محل النزاع، وإلا كان متناولا لبعض ما لا يعلم بعينه، أو لا بعينه: والأول غير مأخوذ من دلالة اللفظ، والثاني يلزم منه تخصيص ما فهم من معنى الامر بالسؤال، وهو طلب الفائدة ببعض الصور، دون البعض، وهو خلاف الأصل. وإذا كان عاما في الأشخاص وفي كل ما ليس بمعلوم، فأدنى درجات قوله (فاسألوا) الجواز، وهو خلاف مذهب الخصوم.