الثالث: أن يكون وجود العلة في أحد الفرعين قطعيا، وفي الآخر ظنيا، فما وجود العلة فيه قطعي أولى، لان أغلب على الظن، وأبعد عن احتمال القادح فيه.
الرابع: أن يكون حكم الفرع في أحدهما قد ثبت بالنص جملة لا تفصيلا، بخلاف الآخر، فإنه يكون أولى، لأنه أغلب على الظن، وأبعد عن الخلاف.
وأما الترجيحات العائدة إلى حكم الفرع وإلى أمر خارج، فعلى ما أسلفناه في المنقولات.
وقد يتركب مما ذكرناه من الترجيحات ومقابلات بعضها لبعض ترجيحات أخر خارجة عن الحصر لا يخفى إيجادها في مواضعها على من أخذت الفطانة بيده.
وقد أشرنا إلى جملة منها في كتابنا الموسوم بمنتهى المسالك في رتب السالك فعليك بمراجعته.
وعلى هذا فلا يخفى الترجيح المتعلق بالاستدلالات المتعارضة بالنظر إلى ذواتها وطرق إثباتها.
وأما التعارض الواقع بين المنقول والمعقول، فالمنقول إما أن يكون خاصا، وإما عاما.
فإن كان خاصا، فإما أن يكون دالا بمنظومه، أو لا بمنظومه.
فإن كان الأول، فهو أولى، لكونه أصلا بالنسبة إلى الرأي، وقلة تطرق الخلل إليه.
وإن كان الثاني فمنه ما هو ضعيف جدا، ومنه ما هو قوي جدا، ومنه ما هو متوسط بين الرتبتين. والترجيح إذ ذاك يكون على حسب ما يقع في نفس المجتهد من قوة الدلالة وضعفها، وذلك مما لا ينضبط ولا حاصر له، بحيث تمكن الإشارة إليه في هذا الكتاب، وإنما هو موكول إلى الناظرين في آحاد الصور التي لا حصر لها.
وأما إن كان المنقول عاما، فقد قيل بتقدم القياس عليه، وقيل بتقدم العموم، وقيل بالتوقف، وقيل يتقدم على جلي القياس دون خفيه، وقيل يتقدم القياس على ما دخله التخصيص دون ما لم يدخله.
والمختار إنما هو تقديم القياس، وسواء كان جليا أو خفيا، لأنه يلزم من العمل بعموم العام إبطال دلالة القياس مطلقا، ولا يلزم من العمل بالقياس إبطال العام مطلقا، بل غاية ما يلزم منه تخصيصه وتأويله.