وقوله: * (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * (الانعام: 38) فالمراد به أن الكتاب بيان لكل شئ، إما بدلائل ألفاظه من غير واسطة، وإما بواسطة الاستنباط منه، أو دلالته على السنة والاجماع الدالين على اعتبار القياس، فالعمل بالقياس يكون عملا بما بينه الكتاب لا أنه خارج عنه، كيف وإنه مخصوص بالاجماع، فإنا نعلم عدم اشتماله على تعريف العلوم الرياضية من الهندسية والحسابية، بل وكثير من الأحكام الشرعية، كمسائل الجد والاخوة، وأنت علي حرام، والمفوضة، ومسائل العول ونحوه. وعند ذلك فيجب حمله على أن ما اشتمل عليه الكتاب من الاحكام المبينة به لا تفريط فيها، حذرا من مخالفة عموم اللفظ.
وأما ما ذكروه من السنة في ذم الرأي فيجب حمله على الرأي الباطل، كما ذكرناه، جمعا بين الأدلة.
المسألة الثالثة إذا نص الشارع على علة الحكم، هل يكفي ذلك في تعدية الحكم بها إلى غير محل الحكم المنصوص، دون ورود التعبد بالقياس بها؟ اختلفوا فيه:
فقال أبو إسحاق الأسفرايني وأكثر أصحاب الشافعي وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وبعض أهل الظاهر: لا يكفي ذلك.
وقال أحمد بن حنبل والنظام والقاشاني والنهرواني وأبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة والكرخي: يكفي ذلك في إثبات الحكم بها أين وجدت، وإن لم يتعبد بالقياس بها.
وقال أبو عبد الله البصري: إن كانت العلة المنصوص عليها علة للتحريم وترك الفعل كان التنصيص عليها كافيا في تحريم الفعل بها أين وجدت، وإن كانت علة لوجوب الفعل أو ندبه، لم يكن ذلك كافيا في إيجاب الفعل بها ولا في ندبه أين وجدت دون ورود التعبد بالقياس، لان من تصدق على فقير لفقره بدرهم، لا يجب أن يتصدق على كل فقير، ومن أكل شيئا من السكر، لأنه حلو