هذا بالنظر إلى نفس الصيغة. أما بالنظر إلى الدليل الخارجي المنفصل فقد قيل بوجود الدليل على الفور في جميع الواجبات على نحو العموم إلا ما دل عليه دليل خاص ينص على جواز التراخي فيه بالخصوص (1). وقد ذكروا لذلك آيتين.
الأولى: قوله تعالى - في سورة آل عمران 127 -: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) *. وتقريب الاستدلال بها: أن المسارعة إلى المغفرة لا تكون إلا بالمسارعة إلى سببها، وهو الإتيان بالمأمور به، لأن المغفرة فعل الله تعالى فلا معنى لمسارعة العبد إليها. وعليه، فيكون الإسراع إلى فعل المأمور به واجبا لما مر من ظهور صيغة " افعل " في الوجوب.
الثانية: قوله تعالى - في سورة البقرة 143 والمائدة 53 -: * (فاستبقوا الخيرات) * فإن الاستباق بالخيرات عبارة أخرى عن الإتيان بها فورا.
والجواب عن الاستدلال بكلتا الآيتين: إن " الخيرات " و " سبب المغفرة " كما تصدق على الواجبات تصدق على المستحبات أيضا، فتكون المسارعة والمسابقة شاملتين لما هما في المستحبات أيضا، ومن البديهي عدم وجوب المسارعة فيها، كيف! وهي يجوز تركها رأسا. وإذا كانتا شاملتين للمستحبات بعمومهما كان ذلك قرينة على أن طلب المسارعة ليس على نحو الإلزام. فلا تبقى لهما دلالة على الفورية في عموم الواجبات.
بل لو سلمنا باختصاصهما في الواجبات (2) لوجب صرف ظهور صيغة " افعل " فيها (3) في الوجوب وحملها على الاستحباب، نظرا إلى أنا نعلم