والوجه فيه: أن أصالة العموم بما هي لا تثبت أكثر من أن ما يظهر من العام هو المراد الجدي للمتكلم، ولا شك أن الحكم الصوري الذي نسميه ب " الحكم الظاهري " كالواقع مراد جدي للمتكلم، لأ أنه مقصود بالتفهيم، فالعام ليس ظاهرا إلا في أن المراد الجدي هو العموم سواء كان العموم حكما واقعيا أو صوريا. أما أن الحكم واقعي فلا يقتضيه الظهور أبدا حتى يثبت بأصالة العموم، لا سيما أن المعلوم من طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجردة عن قرائن التخصيص ويكشف المراد الواقعي منها بدليل منفصل، حتى اشتهر القول بأنه " ما من عام إلا وقد خص " كما سبق.
وعليه فلا دليل من أصالة العموم على أن الحكم واقعي حتى نلتجئ إلى الحمل على النسخ، بل إرادة الحكم الواقعي من العام على ذلك الوجه يحتاج إلى مؤنة بيان زائدة أكثر من ظهور العموم. ولأجل هذا قلنا: إن الحمل على التخصيص أقرب إلى الصواب من الحمل على النسخ وإن كان كل منهما ممكنا.
الصورة الثالثة:
إذا كانا معلومي التأريخ مع تقدم الخاص، فهذه أيضا على صورتين:
1 - أن يرد العام قبل وقت العمل بالخاص، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاص مخصصا.
2 - أن يرد بعد وقت العمل بالخاص، فلا مجال لتوهم وجوب الحمل على النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأ أنه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة ولا قبح فيه أصلا. ومع ذلك قيل بلزوم الحمل على النسخ (1). ولعل نظر هذا القائل إلى أن أصالة العموم جارية،