أن الأصول العملية بهذا المعنى بحكم الحصر العقلي منحصر في الأربع المشار إليها، الاستصحاب وأصل البراءة بالمعنى المتناول لأصل الإباحة وأصل الاحتياط الذي يعبر عنه في بعض أقسامه بأصل الاشتغال وأصل التخيير، وأنت إذا تأملت بدقيق النظر لوجدت الحكم في بعض هذه الأصول غير شرعي فيخرج بقيد " الشرعية " وهو في البعض الآخر وإن كان شرعيا لكن ليس مما يتعلق بالعمل، بل هو نظير الأصول الاعتقادية فيخرج بقيد " التعلق " كما أنه في البعض الثالث وإن كان شرعيا متعلقا بالعمل لكنه لا حاجة في إخراجه إلى اعتبار قيد آخر، سوى ظهور التعلق بنفسه في الحقيقي الملازم لانتفاء الواسطة، فإن أصل الاشتغال الذي يجري عند اليقين بالتكليف مع الشك في المكلف به ووجود القدر المتيقن، مما يحصل به الامتثال المعلوم بعدم دوران الأمر بين المحذورين، كما في موارد التخيير، يتضمن في مورد جريانه كالصلاة مثلا عند الشك في مدخلية شئ فيها جزءا أو شرطا مع ثبوت التكليف بها مقدمات عديدة، يكشف عنها قولنا:
الصلاة ما اشتغلت الذمة بها يقينا، وقولنا: اليقين بالاشتغال مما يستدعي اليقين بالبراءة والامتثال، وقولنا: اليقين بالبراءة عنها يتوقف على الصلاة مع ما شك في مدخليته.
ونتيجة هذه المقدمات كما ترى أن الصلاة مع الشئ المشكوك فيه واجبة، وحيث إن الاستدلال بذلك يرجع إلى التمسك بقاعدة المقدمية، فالمقدمات المذكورة في إنتاج ما ذكر من النتيجة ينحل إلى قياسين، يجرز بأحدهما وجوب ذي المقدمة وهو اليقين بالبراءة، وبالآخر وجوب المقدمة الذي هو المطلوب بالنتيجة.
فيقال في نظم أولهما: الصلاة ما اشتغلت الذمة بها يقينا، وكلما هو كذلك يجب البراءة عنها يقينا، أي يجب اليقين بالبراءة عنها، فالصلاة ما يجب اليقين بالبراءة عنها، وفي نظم ثانيهما: إن الصلاة مع المشكوك في مدخليته ما يتوقف عليه اليقين بالبراءة، وكلما هو كذلك فهو واجب، فالصلاة مع ما ذكر واجبة.