مع أن هذا الضمير بمقتضى السياق منساق على ما انساق به الإشارة في قوله:
(أنبؤني بأسماء هؤلاء) والضميران في قوله: (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم) فيكون الجمع المعرف منطبقا على الجمع المضاف في هذه المواضع الثلاث، ومن المستحيل كونه فيها مرادا به المسميات والحقائق، وإلا لزم إضافة الشئ إلى نفسه كما لا يخفى، فينهض ذلك أيضا قرينة واضحة على عدم الخروج عن مقتضى الحقيقة في الجمع المعرف أيضا، نظرا إلى أن التفكيك مما ينفيه وحدة السياق، مضافة إلى أصالة الحقيقة.
وأضعف مما ذكر ما احتمل أيضا في دفع الاحتجاج من كون التعليم مرادا به الإلهام بوضع الأسماء، كما في قوله تعالى: ﴿وعلمناه صنعة لبوس لكم﴾ (1) أو الإقدار على وضعها، فإن في الثاني من المجاز في التعليم وإضمار الوضع وتجريد الأسماء عن الوضع ما لا يخفى، والأول وإن سلم عن المجاز في التعليم، حيث إن الإلهام من جملة طرق التعليم، ولا مانع من حصوله في المقام بهذا الطريق حتى على ما عرفته من تقريب الاستدلال، وأما الإضمار والتجريد فلا مناص عنهما.
ومما أورد على الاستدلال أيضا أنه - بعد تسليم جميع ما مضى - إنما يجدي إذا ثبت كون الأسماء التي علمها الله آدم (عليه السلام) هي الألفاظ المتداولة عندنا، واللغات المتعارفة لدينا ولا دليل عليه، مع أنه قد شاع واشتهر أن اللغة العربية إنما حدثت في زمان إسماعيل وأن العرب من ولده.
ويندفع بعد ملاحظة أصالة التشابه، بأصالة عدم حدوث شئ سوى ما علمه الله تعالى آدم، فإنه القدر المقطوع بحدوثه، وأصالة بقاء ما علمه آدم بعده واستمراره إلى زمان القطع بانسلاخه، وحكاية حدوث اللغة العربية في زمان إسماعيل وإن اشتهرت في الألسنة، وصرح به بعض الأجلة إلا أنها من الأكاذيب المشهورة والأغلاط المعروفة، حيث لا مستند ولا مأخذ لها، فيدفعها أولا:
عدم القول بالفصل.