الأفعال الخارجية التي ربما يعلم بها من غير العلم بفواعلها على التعيين، كما في " ضرب زيد " فمن الجائز لله تعالى خلق العلم الضروري بأصل الوضع المتعلق بألفاظ مخصوصة لمعان معينة، من دون خلق العلم بفاعله.
ولو سلم فيتوجه المنع إلى قضائه بسقوط التكليف بالمعرفة، فإن المكلف به إنما هو معرفة ذاته الشريف بجميع صفاته الكمالية، التي ليس منها كونه واضعا على معنى عدم ثبوت التكليف بمعرفته بتلك الصفة، وخلق العلم الضروري إنما يفرض بالنسبة إلى تلك الصفة، وهو لا يستلزم العلم الضروري بسائر صفاته المكلف بمعرفتها، ضرورة أن معرفة " زيد " على أنه عالم لا يكفي عن معرفته على أنه شاعر أو كاتب أو غير ذلك من الصفات اللاحقة به.
هذا مع إمكان اختيار الشق الثاني ومنع فساده بمنع أدائه إلى الدور أو التسلسل، فإن السامع إن أريد به من أوقفه الله تعالى اللغات، فالمحذور إنما يرد لو انحصر طريقه في الوحي أو خلق الأصوات وهو بمكان من المنع، لوجود طريق آخر بأن يبعث ملكا بصورة البشر يعلمهم اللغات بطريق الترديد والقرائن من دون دور ولا تسلسل، مع إمكان المنع عن لزومهما لو أراد الإيقاف بأحد الطريقين، لجواز أن يكون قد أدب أحدا من خلقه بآداب الفطانة ونور قلبه بأنوار الزكاوة، فهو بحسب صفاء باطنه وضياء قلبه كلما أحس شيئا من المعاني الحاضرة عنده بالحواس الظاهرية أو الباطنية وطلب أمرا يكون معبرا عنه، فأوحى الله تعالى إليه عند ذلك لفظه الذي وضعه بإزائه من دون الحاجة إلى توسيط واسطة.
وإن أريد به غيره من تابعيه بعد وقوفه عليها بإيقاف من الله تعالى، فإمكان إيقافه بمعونة الترديد والقرائن من دون استلزامه المحذورين غني عن البيان.
وعن أبي إسحاق الإحتجاج على توقيفية القدر الضروري المحتاج إليه في التعريف، بأنه لو لم يكن القدر المحتاج إليه توقيفيا لزم الدور، لتوقف الاصطلاح على سبق معرفة هذا القدر، والمفروض أنه لا يعرف إلا بالاصطلاح، فيلزم توقف معرفته على الاصطلاح المتوقف معرفته عليه، وهو الدور.